12‏/11‏/2008

في ظلال الايمان



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين سيدنا محمد و آله و صحبه و التابعين إلى يوم يوم الدين و على جميع الأنبياء و آلهم و الملائكة و آتاه الوسيلة و رضي عنه رضا لا سخط بعده و أكرمنا بشفاعته يوم الدين و بعد .
فهذه بتوفيق الله تبارك و تعالى كلمة موجزه في الحكم و المتشابه من القرآن الكريم و ما يجب على المؤمن نحو كل منهما فأسأل الله تعالى أن يمنحنا فيها و في كل حياتنا الرشاد و السداد
( رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)الكهف (10)
يقول الله تعالى و هو أصدق القائلين ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7)
) رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) آل عمران صدق الله العظيم .

يخبرنا الله تبارك و تعالى في تلك الآيات الكريمة أنه سبحانه قد جعل من القرآن الكريم :
1- آيات محكمات أي واضحات الدلالة على معانيها لكل من تمرس بأساليب اللغة العربية .
2 - و جعل منه آيات متشابهات يدل ظاهرها على معنى قد يخالف معنى الآيات المحكمات أو يعارضها .
3- و أنه يجب علينا حيال ذلك :
(1) أن نعمل بالآيات المحكمات لأنها هي وحدها أم الكتاب أي أصل عقائده و شرائعه التي كلفنا الله تبارك و تعالى بها .
(2) و أن نجانب الذين في قلوبهم زيغ و هم الذين يتتبعون المعاني الظاهرة للآيات المتشابهة و يحرفونه إلى أهوائهم الفاسدة(ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ) أي إضلال أتباعهم و إيهامهم بأن القرآن حجة لهم على بدعتهم و انحرافهم عن سبيل المؤمنين قال صلى الله عليه وسلم ( فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله تعالى فاحذروهم ) أخرجه الخمسة إلا النسائى .
(3) أن نتأسى بالراسخين في العلم الذين أثنى الله تعالى عليهم , نتأسى بهم في الإيمان بأن المتشابه لا يمكن أن يعارض الحكم لأن كلا منهما (مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) و من المستحيل أن يكذب القرآن بعضه بعضا هذا مع تفةيض المعنى المراد من النتشابه إلى علم الله تبارك و تعالى مادام سبحانه و تعالى لم يكلفنا بالبحث عنه و إنما كلفنا بالإيمان رحمة بنا و تفضلا منه علينا (إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيد) المائدةُ (1)
هذا و لم يرد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم فيما أعلم تحديد أو إحصاء للآيات المتشابهات في القرآن الكريم , و إن كان قد روي عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن التكلم في القدر , و عن التفكير في ذات الله تبارك و تعالى , و عن قيل و قال و كثرة السؤال و لعل ذلك يعني النهي عن الخوض فيما لا يعود بالخير و الرشد على المسلمين .
و لكن الذي يتتبع تاريخ الإسلام الحنيف ووحدة الصف المسلم حوله , ثم مبدأ انقسام المسلمين إلى فرق و أحزاب اتباعا للهوى , يجد أن منشأ تلك الفرق هو الانحراف عما أمرنا الله تبارك و تعالى به في اتباع الراسخين في العلم و مجانبة أهل الأهواء و الزيغ فإن الراسخين في العلم هم المؤمنون المتمكنزن من هدى الله تبارك وتعالى كما يشير إليه قوله عز شأنه للنبي صلى الله عليه وسلم محذرا له عن مصانعة أهل الضلال مهما كانت قوتهم (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)البقرة (120) فاتباع الراسخين في العلم هو اتباع سبيل المؤمنين الذي من شذ عنه فقد شذ إلى جهنم مع المعاندين مصدقا لقوله عز شأنه(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)النساء (115)
هذا و مما ال شك فيه أن أولى المؤمنين و أحقهم بهذا الوصف الكريم , وصف الراسخين في العلم هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شهد الله تبارك وتعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْه)التوبةُ(100)
(لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)الحشر(9)
و شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ) و قوله صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواخذ ) و قوله صلى الله عليه وسلم ( الله الله في أصحابي لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهبا ما بلغ مُدَ أحدهم و لا نصيفه ) فرضي الله تعالى عنهم و جزاهم عنا خير الجزاء بما ضحوا بدمائهم و أموالهم في سبيل إنقاذنا من شقاء الدنيا و جحيم الآخرة (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(4)الجمعة
أقول إن المتتبع لنشأة الفرق التي تلت عصر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يجد أنها إنما نشأت و ضلت حين اتبعت الأهواء و كونت لها نزعات و مذاهب شيطانية ثم دخلت بتلك الأهواء و النزعات إلى القرآن الكريم تحاول أن تلتوي ببعض آياته لتأييد باطلها منحرفة في ذلك كله عن اتباع سبيل المئمنين الذين شهد لهم الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وسلم بالعصمة و التأييد كما تشير إيه الآيات السابقة مع قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تجتمع أمتي على ضلال ) و قوله صلى الله عليه وسلم ( من فارق الجماعة شبرا فقد خلع رِبقة الإسلام عن عنقه ) أخرجه أبوداود.

على كل مسلم يريد هدى الله تبارك و تعالى صادقاً :
1- أن يتجرد من كل هوى قبل أن يحوم حول الكتاب و السنة .
2- و أن لا يدخل إلى حمى الكتاب العزيز إلا و هو يستضئ بخير مصباحين , أحدُهما سيرتُه صلى الله عليه وسلم في كل حياته العظيمة التي كانت هي التفسير العملي للقرآن الكريم (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)النحل) , و ثانيهما اتباع سبيل المؤمنين و هو إجماع المسلمين من الصدر الأول المشهود لهم بالعصمة من الله تبارك و تعالى و رسوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9))يونس , نسأل الله تبارك و تعالى أن يجعلنا منهم و أن يُلزمنا جماعتهم و زمرتهم في الدنيا و الآخرة (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) مريم)

أقول إذا كان لم يَرِد عن النعصوم صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمتشابه سوى تحذيرنا من أن يكون سببا في تفرقنا و زيغ قلوب فريق منا , دون أن يُحصِي لنا صلى الله عليه وسلم أو يحدد عدد الآيات المتشابهة و أنواعها ,فإننا نجد أن منشأ تفرق المسلمين بعد العصر الأول هو اختلاف أهوائهم في فهم :
1- معاني آيات الإيمان و الإسلام و ما يترتب على ذلك من أحكام .
2- في فهم معاني الآيات التي تحدد معنى الكفر و الفسق و الظلم و حكم مرتكب الكبائر .
3- آيات الصفات و القضاء و القدر .
و من الاختلاف في فهم الآيات و نحوها اتباع للأهواء و مجافاة لإجماع المسلمين فضلا عن اتباعه صلى الله عليه وسلم نشأت فرق الخوارج و الجهمية و القدرية الأولى و القدرية الثانية و المعتزلة بكافة فرقهم و الكرامية و المرجئة و غيرهم و غيرهم , كل يحاول أن يُكَفِر خصومه و يُسَمِ نفسه و مذهبه الزائغ المنحرف بالإسلام الحنيف (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)المؤمنون) , وسوف أحاول هنا بمشيئة الله تعالى اتباع سبيل المؤمنين في تقريب معاني تلك الآيات التي كانت سبب فُرقتهم و الفصلفي تلك المشاكل التي أثاروها تضليلا لأتباعهم و ترويجا لبدعتهم و الله تعالى يهدينا سواء السبيل بمنه و كرمه آمين .

معنى الإيمان و الإسلام

يؤخذ من نصوص الكتاب و السنة و من إجماع المسلمين أن كلمتي ( الإيمان و الإسلام ) اسمان لحقيقتين تختلف كل منهما عن الأخرى في المفهوم منها و في الآثار المرتبطة بها :
1- فأما اختلاف الإيمان و الإسلام في المفهوم فيدل عليه :

(1) أن الإيمان في اللغة هو التصديق بالقلب تصديقا تنفعل به النفس , و أن الإسلام هو الخضوع و الاستسلام الظاهري للسلطة القاهرة و لو مع تكذيب القلب , و لما كان القرآن قد أُنزِل بلسان عربي مبين كان من الواجب علينا أن نفهمه حسب مدلول ألفاظه في اللغة العربية .
(2) قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)الحجرات)
(3) أن الله تعالى كلما ذكر الإيمان في القرآن أضافه إلى القلب , قال تعالى (مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ)المائدة (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ )النحل (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) المجادلة (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الحجرات على حين أته تعالى يَذْكُر الإسلام بالقول (وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا)الحجرات , و كذلك فعل صلى الله عليه وسلم كما يقول (هلا شققت عن قلبه ) و حين يقول ( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ).
(4) أن الإسلام قد وجد فعلا بدون الإيمان , كما كان الحال في المنافقين من الذين قال الله تعالى فيهم(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)البقرة)
(وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ )التوبة

و أَصْرَحُ من ذلك كله حديث جبريل على نبينا و عليه السلام و نصه كما يأتي ( عن يحيى بن يعمر رضي الله تعالى عنه قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني , فانطلقت أنا و حميد بن عبدالرحمن الحميري حَجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر , فِوفَقِ لنا عبدالله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا و صاحبي أحدنا عن يمينه و الآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت : أبا عبدالرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن و يتقفرون العلم ) و ذكر من شأنهم ( و أنهم يزعمون أن لا قدر و أن الأمر أُنُفُ ) قال ( فإذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أني برئ منهم و أنهم برآء مني , و الذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أُحد ذهبا فأنفقه ما قَبِلَ الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال : حدثني أبي عمر بن الخطاب قال : ( بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر و لا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبته ووضع كفيه على فخذيه و قال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله و تُقيمَ الصلاة و تؤتي الزكاة و تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا , قال : صدقت , فعجبنا له يسأله و يصدقه , قال فأخبرني عن الإيمان قال : أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و تؤمن بالقدر خيره و شره , قال : صدقت قال : فأخبرني عن الإحسان , قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك , قال : فأخبرني عن أمارتها , قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل , قال : فأخبرني عن أماراتها , قال : أن تَلِدَ الأمة ربتها و أن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاه يتطاولون في البنيان , قال : ثم انطلق مليا , ثم قال : لي يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله و رسوله أعلم , قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ).
فهذا الحديث صريح في حقيقة الإيمان هي غير حقيقة الإسلام و أن أساس الدين هو الإيمان , و أن هيكله و مظهره هو الإسلام و أن قمته وروحه هي الإحسان .
هذا و ليس معنى الإيمان بالله تبارك و تعالى هو مجرد التصديق بوجوده تعالى أو بوحدانيته في الخلق و الرزق و التدبير , فإن المشركين كانوا يؤمنون بذلك كله قبل إرسال الرسل و مع ذلك سماهم الله تعالى مشركين و كفارا و أرسل إليهم الرسل يدعونهم إلى الإيمان , كما يشير إلى ذلك قوله عز شأنه مسجلا عليهم اعترافهم بذلك كله (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85 ) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)المؤمنون)
و قوله تعالى (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) يونس) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تسجل اعترافهم بوجوده تبارك و تعالى في العبادة و الحاكمية كوحدانيته في الربوية بالخلق و التدبير و الإنعام سواء بسواء , كما يشير إلى ذلك قوله عز شأنه (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ (54) الأعراف) , فكما أنه لا خالق سواه فإنه يجب أن لا يطاع أي أمر لسواه , و لكن المشركين قد آمنوا بوحدانيته في الخلق و كفروا بوحدانيته تعالى في الأمر , فعبدوا معه غيره و تحاكموا إلى الطاغوت كما يشير إلى ذلك قوله تعالى (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1)الأنعام) يعني يجعلون غيره من الطواغيت معادلا أي مساويا له تبارك و تعالى في وجوب الطاعة , و قد كانت تلبيتهم في الحج هكذا ( لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه و ما ملك ) تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً , لهذا أرسل الله تعالى رسله إليهم تفضلا منه و رحمة يدعونهم إلى الإيمان بوحدانيته تعالى في الأمر – أي في حق الحاكمية و الطاعة – كإيمانهم بوحدانيته تعالى في الخلق , إنقاذا لهم من شقاء الدنيا و جحيم الآخرة .
فالمراد من الإيمان بالله تبارك و تعالى الذي جاءت به الرسل و الذي ينقذ المؤمن من النار هو الإيمان بالله تبارك و تعالى منعوت بأسمى صفات الجمال و الجلال بكمال الألوهية و الربوبية و أنه يفعل ما يريد و يحكم ما يريد (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)الأنبياء) مع الإيمان بأسمائه الحسنى و صفاته العظمى التي أنزلها في كتبه تعالى على أنبيائه و رسله صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .
أما معنىالإيمان بالملائكة فهو اعتقاد أنهم من صفوة خلق الله تبارك و تعالى معصومون مطهرون (وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)الانبياء) (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)النحل) و أنه تبارك و تعالى قد وكلهم بخدمة الإنسان تكريما له و تعبدا لهم , فجعل منهم أمناء وحيه إلى رسله كجبريل , و جعل منهم حفظة عشرين مَلَكَاً لكل إنسان , وجعل منهم كتبة حسناته و سيئاته , ووكل بعضهم بالرياح و بعضهم بالأمطار و بعضهم بالأرزاق و بعضهم بالحساب و العذاب و الرحمة و الوفاة (حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)الانعام)
و أما الإيمان برسله تعالى و كتبه فهو التصديق بأنه تبارك و تعالى قد اصطفى بمحض إرادته أناسا من البشر هيأهم لحمل رسالته و أمدهم بكل ما تحتاج إليه من الصفات النفسية و الخلقية و الجسمية و الاجتماعية , ثم أنزل عليهم مع أمين وحيه كتبه و أوامره لينقذوا الناس باتباعها من شقاء الدنيا و جحيم الآخرة فضلا منه تعالى و رحمة (أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)الدخان) و أنه تعالى قد أحاطهم بأوثق الضمانات عند تلقي الوحي و عند تبليغه حفظا من تخليط الشيطان عليهم (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)الجن) , و أن جوهر رسالتهم جميعا هو ما أشار إليه عز شأنه بقوله (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ (213) البقرة) فهذه وظيفة كل رسول و كل كتاب من كتب الله تبارك و تعالى(لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ(213)البقرة) و إنما يختلف الناس دائما في مقاييس الحق و الباطل و الخير و الشر و الحسن و القبيح , و أن دينهم واحد (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ُ (19)آل عمران) و لكن اختلفت شرائعهم (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (48)المائدة) , و أنه تبارك و تعالى قد جعل القرآن الكريم مصدقا لجميع الكتب السابقة و مهيمنا عليها و تكفل بحفظه إلى يــــــــــــوم القيامة (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)القيامة )( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)الحجر).
و أعود الآن و أقول مرة أخرى إن هذا الحديث الشريف , حديث جبريل على نبينا و عليه الصلاة و السلام هو الأصل الصريح الجامع لأصول الإيمان و حقيقته , و لتحديد الفرق الواضح بين حقيقة الإيمان و حقيقة الإسلام , و أن الإيمان هو التصديق القلبي بتلك الأصول الستة تصديقا تذعن له النفس و يطمئن به القلب , و أن أصل الإيمان و جوهره لا يتحقق إلا إذا صدق المكلف بكل أصل من تلك الأصول السته تصديقا جازما , فإذا صدق بخمسة منها و كذب أو شك في سادسها كان كافرا بها جميعها , بل إنه لو كذب أي فرد من أفراد أصل واحد كان كافرا بالجميع , فمن آمن بجميع كتب الله تعالى و لكنه شك في واحد منها فقط فهو كافر بجميع أصول الإيمان , و كذا لو آمن بجميع المرسلين و كذب رسولا واحدا منهم فهو كافر بالجميع , ويشير إلى ذلك صراحة مثل قوله عز شأته (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)الشعراء) مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولا واحدا هو هود عليه و على نبينا الصلاة و السلام لأنه هو الذي أرسل إليهم و كذا قوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)الشعراء) و نحوها و نحوها و قوله (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ (37)الفرقان) مع أنهم لم يكذبوا إلا نوحا على نبينا و عليه الصلاة و السلام .
و هكذا تكذيب أي رسول أو أي كتاب يعتبر تكذيب أي رسول أو أي كتاب يعتبر تكذيبا لجميع الكتب و الرسل و كفرا بالله تبارك و تعالى الذي أرسل هذا الرسول و هذا الكتاب كما أرسل جميع الرسل و أنزل جميع الكتب (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285)البقرة)
فحقيقة الإيمان الشرعية هي التصديق بكل فرد من أفراد تلك الأصول متى عرفناه بشخصية كاكتب الأربعة و الرسل الخمسة و العشرين المنصوص عليهم في القرآن و كذا كل من بلغنا من أشخاص الملائكة و من حقائق اليوم الآخر .
أما حقيقة الإسلام فإنه صلى الله عليه وسلم قد فسرها في هذا الحديث بأمور خمسة , لكن قد قامت الأدلة القولية و العملية من قوله صلى الله عليه وسلم و فعله على تلك ال/ور الخمسة ليست كلها أجزاء متساوية في تكوين حقيقة الإسلام , فإنها لو كانت في درجة واحدة كأصول الإيمان الستة لصح للكافر أن يدخل الإسلام بفعل أي واحدة منها أو بفعل جميعها قبل النطق بالشهادتين , و لكن إنكاره صلى الله عليه وسلم على خالد و أسامة و غيرهما إنكارا شديدا كل الشدة حينما قتل كل منهما رجلا بعد أن نطق بالشهادتين و إعلانه صلى الله عليه وسلم البراءة إلى الله تعالى من فعلهما رغم أن جميع القرائن كانت تدل دلالة قوية على أن هذا الرجل لم ينطق بالشهادتين إلا خدعة للمسلمين لحمايته من القتل بعد أن أسرف هو في قتل المسلمين قبل أن ينطق بها و رغم ابتهال كل من خالد و أسامة رضي الله تعالى عنهما إلى الله و رسوله صلى الله عليه وسلم في الاعتذار عن هذا القتل و الندم عليه و طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم لهما فقد أصر صلى الله عليه وسلم على إنكاره الشديد لفعلهم و على إعلان براءته الكاملة و تألمه الشديد من هذا الصنيع و ظل يكرر قوله صلى الله عليه وسلم لهما ( و ماذا تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة ) و قوله صلى الله عليه وسلم ( هلا شققت عن قلبه ..).

أقول إن هذا الإنكار الشديد صلى الله عليه وسلم على خالد و أسامة و من فعل فعلهما دليل قاطع على أن حقيقة الإسلام و أساسه و جوهره و عنوانه هو النطق بالشهادتين فقط , و أن الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج ليست جزء من حقيقة الإسلام و إنما هي فرائض و شعائر يطالب بها المسلم بعد أن يعلن التزام أدائها ضمنا في إعلان إسلامه نطقا بالشهادتين فقط , فإن نُطْق الكافر بالشهادتين يستلزم :
1- الإقرار بالتزامه توحيد الله تبارك و تعالى في الخلق و الأمر أي في الربوية و الألوهية .
2- الإقرار ضمنا بالتزامه أداء جميع الواجبات و ترك جميع المحرمات و ذلك في شهادته نطقا برسالته صلى الله عليه وسلم .
و لقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها أصدق برهان عملي على أصالة تلك الحقيقة و ثبوتها و نصاعتها و هي أن جوهر الإسلام و أساسه و حقيقته الفاصلة بين المسلم و الكافر هي النطق بالشهادتين فقط , فكل كافر نطق بهما و لو تحت السيف كان مسلما و أن جميع فرائض الإسلام لا تقوم كلها مقام الشهادتين في ذلك بل لا يصح شئ منها قبل النطق بالشهادتين فهما وحدهما اللذان يقبلان من الكافر ليكون مسلما بخلاف غيرهما من الفرائض فإن صحتها منه تتوقف على نطقه بهما .
هكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم طوال حياته التبليغية سواء في العهد المكي قبل أن يشرع من فرائض الإسلام و شعائره غير الشهادتين أو بعد أن شُرعت الصلاة ليلة المعراج ثم تتالعت الشرائع بعدها حتى أكمل الله الدين و أتم النعمة و هو صلى الله عليه وسلم ملازم لدعوة الناس جميعا إلى الإسلام مركزا في الشهادتين فقط إعلانا و إقرارا من الناطق بهما للالتزام بكل ما يترتب على النطق بهما من فرائض و شرائع , فكانت وصاياه لجميع أمرائه في الغزوات هي أن يدعوا الكفار قبل محاربتهم إلى الإسلام نطقا بالشهادتين أو إلى الاستسلام بقبولهم أداء الجزية , فإن لم يستجيبوا لأحدهما فعلى المسلمين أن يحاربوهم حتى يذعنوا لأحدهما و إلى هذا أشارت جميع وصاياه صلى الله عليه وسلم لقادته كما قال في أكثر من حديث صحيح متفق عليه ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ..) و قال أيضا ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) , فرتب رفع القتال عن الكفار في الدنيا و دخولهم الجنة في الآخرة على مجرد النطق بالشهادتين ,فدل ذلك كله على أن النطق بهما هو وحده حقيقة الإسلام و أن ما سواهما من الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج ليست إلا فرائض و شعائر مفروضة على المسلم و ليس شئ منها جزء من حقيقة الإسلام و أن ما سواهما من الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج ليست إلا فرائض و شعائر مفروضة على المسلم و ليس شئ منها من حقيقة الإسلام , و إلا فما القول في جميع تلك البراهين و ما القول في المسلمين قبل مشروعية الفرائض زهاء أكثر من عشر سنوات بعد البعثة و مالقول فيمن نطق بالشهادتين بعد دخول وقت العشاء مثلا ثم مات قبل طلوع الفجر دون أن يؤدي فرضا من صلاة أو غيرها .
القول أنهم جميعا مسلمون و مفروض علينا أن نعاملهم معاملة المسلمين فلو كانت الفرائض جزء من حقيقة الإسلام لما كانوا جميعا مسلمين .
إذ تقرر هذا جليا و تبين أن حقيقة الإسلام هي النطق بالشهادتين المتضمن لالتزام أداء الفرائض و الواجبات و ترك المحرمات , تبين بجلاء أن الأعمال ليست جزءا من حقيقة الإسلام و لا داخلة في مفهومه و تبين كذلك أن الإسلام ليس داخلا في حقيقة الإيمان و لا في مفهومه فإن الإيمان كما سبق هو تصديقا تنفعل به النفس و يطمئن به القلب فمن صدق بكل أصل من تلك الأصول فقد تحقق بأصل الإيمان و عليه بعد ذلك أن يستكمل صفاته العملية , أما النطق بالشهادتين فليس جزءا من حقيقة الإيمان , فمن صدق بأصول الإيمان و لم ينطق بالشهادتين عن غير إباء أو امتناع فهو مؤمن صادق ناج عند الله إن شاء الله بقوله عز شأنه (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ (100)النساء) , فكل كافر شرح الله صدره للإيمان ففارق دار الكفر مهاجرا إلى الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وسلم ليقر عنده بالشهادتين معلنا إسلامه ثم مات في الطريق فإن يكون مؤمنا ناجيا من عذاب الله تعالى إن شاء الله بهذا الإيمان الذي يصحبه الإقرار بالشهادتين الذي هو حقيقة الإسلام.
و إذا تبين بهذا أن حقيقة الإسلام ليست جزءا من حقيقة الإيمان, و أن الإيمان قد يوجد بدون إسلام كما في هذا المهاجر , و أن الإسلام قد يوجد بدون إيمان كما في المنافقين الذين أسلموا بألسننتهم و لم تؤمن قلوبهم و أمرنا مع هذا أن نعاملهم معاملة المسلمين.

أقول إذ تبين أن الإسلام ليس جزءا من حقيقة الإيمان , فإنه يتبين دون شك أن الأعمال كلها ليست جزء من حقيقة الإيمان , لأن الإيمان هو عمل القلب فقط بل هو أساس الأعمال كلها و الدليل على ذلك زيادة على ما تقدم :
1- أن الله تعالى قد جعل الإيمان شرطا لصحة الأعمال كلها , فدل هذا على أنه غيرها لأن الشرط غير المشروط بداهة , فإن الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة و غير الصلاة و يشير إلى ذلك مثل قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)النحل) .
2- أنه تعالى قد عطف الأعمال على الإيمان في آيات كثيرة , مثل(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)الكهف) و لا شك أن العطف يقتضي المغايرة لأنه لا يصح عطف الشئ على نفسه , فلو كان العمل هو نفس الإيمان أو جزءا منه لما صح عطفه عليه.
3- أنه تبارك و تعالى كثيرا ما يثبت الإيمان للعاصي مع تلبسه بالمعصية , و ذلك مثل قوله تعالى:
(1) (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (9)الحجرات) فأثبت لهم الإيمان مع تقاتلهما , فدل ذلك على أنهما غير مخلدين في النار , و أن قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار ) ليس المراد به الحكم بكفرهما أو خلودهما في النار ماداما لم يستحلا ذلك .
(2) أنه سبحانه و تعالى أثبت لهما أو ابقى لهما أُخوة الإيمان مع ارتكابهما تلك الكبيرة العظمى و هي المقاتلة بقوله تعالى(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)الحجرات) .
(3) و مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178)البقرة) فإن القصاص إنما يجب على من قتل عمدا بصفة الإيمان و أكد سبحانه ذلك بإثبات أخوة الإيمان و إبقائها له صراحة بقوله(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ (178)البقرة) .
فأكد سبحانه صراحة أن القاتل لا يزال أخا في الإيمان لولي الدم بعد أن أثبت أنه لا يزال أخا لجميع المؤمنين الذين ناداهم في أول الآية بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)البقرة) , فإن القاتل هو أول من يدخل في هذا النداء ليذعن للقصاص الذي كتب عليه باعتباره مؤمنا و يتقبله راضيا استجابة لمنطق الإيمان , ثم إنه تعالى بعد ذلك كله رَغبَ وَلِي الدمَ في العفو عن هذا القاتل حيث ذكره بأخوتهما في الإيمان و حببه في العفو و لو عن شئ قليل من القصاص و هذا منه سبحانه و تعالى نهاية اللطف و الرحمة حيث تدرج بولي الدم و القاتل معا إلى بحبوحة الإخوة الإيمانية التي لا يحسن معها الإصرار على القطيعة , فاستنزل الولي و هو في عنف غضبه حين ذكره بحقوق تلك الإخوة و طالبه بأعذب أسلوب أن يمنحها و لو شيئا قليلا من العفو و هو يعلم سبحانه و تعالى ما شرعه لنا أن أقل عفو عن القصاص و لو من بعض الورثة يسقط القصاص كله فما أكرمه تبارك و تعالى و ما أرحمه بمن اقتحم أكبر الكبائر و أي كبيرة بعد الشرك أعظم من أن يحبب تبارك و تعالى إلى و لي الدم مع ذلك العفو عن القصاص ثم أن يفرض عليه بعد ذلك كله أن لا يسئ إلى القاتل أدنى إساءة بعد هذا العفو و أن يتقاضى منه الدية بالمعروف و أنه إذا رجع في عفوه فأساء إلى القاتل أو أعنته أو كلفه فوق طاقته في في أداء الدية فسيكون له العذاب الأليم في الآخرة فإذا كانت هذه هي رحمته تبارك و تعالى في الدنيا بمن اقتحم أعظم كبيرة بعد الشرك فكيف تكون رحمته سبحانه و تعالى بنا و به في الآخرة , لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال و هو الصادق دائما ( إن الله جعل الرحمة مائة جزء فجعل لنفسه تسعا و نسعين جزءا و جعل للخلق جميعهم جزءا واحدا فيه يتراحمون و منه ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ) و قال صلى الله عليه وسلم ( لو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ) نسأله تبارك و تعالى أن يجعلنا جميعا من أهل رحمته و سائر المؤمنين بمنه و كرمه و أن يشفع فينا سيد المرسلين صلوات الله و سلامه عليه و علليهم أجمعين و آلهم و الملائكة و آتاه الوسيلة و الحمد لله رب العالمين.
(4) و من ذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ (72)الانفال) فقد جعلهم سبحانه و تعالى مؤمنين و أبقى لهم وصف الإيمان مع تركهم الهجرة و مع ما في ذلك من الوعيد الشديد الذي يشير إليه قوله عز شأنه (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا (97)النساء) دَل على أن قوله تعالو عنهم بعد ذلك (فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ (97)النساء) إنما هو محمول على شدة العذاب ثم الخروج منها بعد ذلك لأنهم مؤمنون , أو محمول على من استحل ترك الهجرة و قطع موالاة المؤمنين و تولى الكافرين , على أن قوله تعالى للمهاجرين ( مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ (72)الانفال) يؤكد الوجه الأول . و الله تعالى أعلم .
(5) و مثل ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا (8)التحريم) و قوله تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)النور) و قوله صلى الله عليه وسلم ( كل بني آدم خطاء ) , فإن ذلك كله يقتضي أن كل مؤمن لا ينفك عن ذنب.
(6) و من ذلك أيضا قوله تعالى(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)الزمر) مع قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116)النساء) فإنه يفهم من الآيتين أن مغفرة الذنوب خاصة بالمؤمنين , و أنه لا يُخلد في النار صاحب كبيرة متى كان مؤنا لهذه الآيات و الأحاديث و غيرها و غيرها , و منها قوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ..) و قوله صلى الله عليه وسلم للمقداد ابن الأسود حينما استأذنه في قتل من قال ( لا إله إلا الله عائذا بها من القتل بعد أن قطع يد المقداد ( لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله و أنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها ) , وقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة رضي الله عنه ( أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ..) (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ) ( كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) حتى تمنى أسامة أنه لم يكن أسلم إلا يومئذ.
و منها حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه و لفظه ( قال أبوذر : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم و هو نائم عليه ثوب أبيض ثم أتيته فإذا هو نائم ثم أتيته و قد استيقظ فجلست إليه فقال : ما من عبد قال ( لا إله إلا الله ) ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة , قلت : و إن زنا و إن سرق ؟ قال : و إن زنا و إن سرق , قلت : و إن زنا و إن سرق ؟ قال : و إن زنا و إن سرق – ثلاثا – ثم قال الرابعة : رغم أنف أبي ذر فخرج أبوذر يقول : و إنْ رَغِم أنف أبي ذر ) رواه الشيخان .
و من ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم ( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسصوله و أن عيسى عبدالله ورسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه , و الجنة حق , و النار حق , أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل ) أخرجه الشيخان و الترمذي , و في أخرى لمسلم ( من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله حرم الله تعالى عليه النار ) , و لعل المراد بذلك و الله أعلم تحريم خلوده فيها لصريح الآيات و الأحاديث المتضافرة كلها على أنه لا يُخلد مؤمن في النار و إن كان ما في قلبه من الإيمان مثقال ذرة , فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) قا لأبوسعيد : ( من شك فليقرأ إن الله لا يظلم مثقال ذرة ).
و عن عمر رضي الله تعالى عنه ( أن رجلا كان يلقب حمارا و كان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشرب , فأُتِيَ به يوما فأمر به فجلد , فقال رجل من القوم : اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به! فقال صلى الله عليه وسلم : لا تلعنوه , فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله و رسوله ) أخرجه البخاري .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يُدخل الله أهل الجنة الجنة يُدخل من يشاء برحمته , ويدخل أهل النار النار ثم يقول امظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخروجوه فيخرجون منها حُمَمَا قد امتححشوا فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل ألم تروها كيف تخرج طفراء مُلتوية ) ( أو كما تنبت الغُثاءة في جانب السيل ) رواه مسلم .
هذا فضلا عن أحاديث الشفاعة التي بلغت مبلغ التواتر و حسبنا أن نورد منها حديثين من الصحيحين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لكل نبي دعوة مستجابة فتعَجَل كلُ نبي دعوته و إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) و عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال (حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها و لكن عليككم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله فيأتون ابراهيم فيقول لست لها عليكم بموسى عليه السلام فإنه كليم الله فيأتون موسى في}تَى موسى فيقول لست لها و لكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله و كلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها و لكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم , فأوتى فأقول : أنا لها فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقول بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يُلهمنيه الله ثم أخر له ساجدا , فيقال لي : يا محمد , ارفع رأسك و قل يُسمع لك و سلْ تعطه و اشفع تشفع , فأقول : رب أمتي أمتي , فيقال : انطلق فمن كان في قلبه حبة ممن بُرة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها , فأنطلق فأفعل ثم أرجع فأحمد بتلك المحامد ثم أخبر له ساجدا , فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك و قل يسمع لك وسل تعطه و اشفع تشفع , فأقول : أمتي أمتي , فيقال لي : انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها , فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا , فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك و قل يُسمع لك وسل تعطه و اشفع تشفع , فأقول : يا رب أمتي أمتي , فبقال لي : انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار : فأنطلف فأفعل ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا , فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك و قل يُسمع لك و سل تعطه و اشفع تشفع , فأقول : يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله : قال : ليس ذاك لك أو قال : ليس ذلك إليك , و لكن و عزتي و كبريائي و عظمتي و جبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله ) ىو في رواية ( ثم أعود الرابعة فأقول يارب ما بقي إلا من حبسه القرآن ( أي لم يبق في النار إلا الكفار الذين حكم عليهم القرآن بالحبس في جهنم خالدين فيها أبدا و الله تعالى أعلم ) زاد مسلم في روايته ( فيقول الله عز و جل : شفعَت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا أرحم الراحمين ) ( فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حُمَمَا فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر و أخيضر و ما يكون منها إلى الظل يكون أبيض , فقالوا : يا رسول الله , كأنك كنت ترعى بالبادية قال : فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة ( هؤلاء عتقاء الله ) الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه , ويقول : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم , فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحد من العالمين . فيقول : لكم عندي أفضل من هذا , فيقولون : يا ربنا أي شئ أفضل من هذا ؟ يقول : رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا ) .

و نختم تلك النصوص بتك الأحاديث الثلاثة :
أحدهما ( قال معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه : كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني و بينه إلا مؤخرة الرحل أو كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يُقال له عُفَيْرُ , فقال : يا معاذ بن جبل قلت : لبيك يا رسول و سعديك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله إلا حرمه الله على النار . قال معاذ : يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشرون قال إذن يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما ) .
و ثانيها قال عثبان بن مالك رضي الله تعالى عنه ( أصابني في بصري بعض الشئ فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأَتخِذَهُ مُصلى قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم و من شاء الله من أصحابه فدخل و هو يصلي في منزلي و أصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عُظْمَ ذلك و كبره إاى مالك بن دُخشم قالوا : و دوا أنه دعا عليه فهلك و دوا أنه أصابه شر فقضى رسو الله صلى الله عليه وسلم الصلاة . و قال : أليس يشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ؟ قالوا : إنه يقول ذلك و ما هو في قلبه , قال : لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله فيدخل النار أو تطعَمَهُ , قال أنس : فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني اكتبه ) .
و ثالثها عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ( كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا و خشينا أن يقتطع دوننا و فزعنا فقمنا فكنت أول من فزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائط للأنصار لبنى النجار فدرت به هل أجد له فإذا ربيع يدخل ممن جوف حائط من بئر خارجة و الربيع الجدول احتفرتُ كما يحتفرُ الثعلب فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبو هريرة ؟ فقلت : نعم يا رسول الله , قال : ما شأنك ؟ قلت : كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعن فكنت أول من فَزعَ فأتيت هذا الحائط قال : يا أبا هريرة , و أعطاني نعليه , قا ل: اذهب بنعلي َ هذين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشروه بالجنة , فكان أول من لقيت عمر , فقال : ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ فقلت : هاتان نعلا رسول الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة فضرب عمر بيده بين ثديى فخررت لإستى , فقال : ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاء وركبني عمر فإذا هو على أثري , فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك يا أبا هريرة ؟ قلت : لقيت عمر فأخبرت بالذي بعثني به فضرب بين ثديى ضربة خررت لإستى , قال : ارجع , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ قال : يا رسول الله بأبي أنت و أمي , أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقى يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا به قلبه بشره بالجنة ؟! قال : نعم , قال : فلا تفعل , فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلهم يعملون ) رواه الشيخان.

و إنما ختمت تلك النصوص الكثيرة بهذه الأحاديث الثلاثة لأركز على نقطتين هامتين :
1- أولهما أن هذه الأحاديث و أمثالها قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو بالمدينة الشريفة بعد الهجرة و بعد أن شرعت كل شرائع الإسلام و فرضت كل فرائضه و ليس من الصحة في شئ أنه صلى الله عليه وسلم قال تلك الأحاديث بمكة قبل أن تشرع شرائع الإسلام كيف يكون هذا مع أن رواة تلك الأحاديث كلهم من الأنصار رضوان الله تعالى عليهم و إن راوى الحديث الثالث هو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أسلم سنة سبع بعد الهجرة بعد أن فرضت جميع أركان الإسلام و فرائضه التي كان أولها فرض الصلاة ليلة المعراج بمكة ثم فرض الزكاة و الصوم في السنة الثانية من الهجرة ثم فرض الحج آخرها في السنة السادسة من الهجرة الشريفة فهذا كله يقينا أنه صلى الله عليه وسلم قال تلك الأحاديث بعد استقرار شرائع الإسلام كلها .
2- أم النقطة الثانية التي أحب أن أركز عليها فهي أن نهيه صلى الله عليه وسلم لمعاذ عن أن يبشر الناس بأن من نطق بالشهادتين حرمه الله تعالى على النار مخافة أن يتكلوا على ذلك و يتركوا العمل .
أقول نهيه صلى الله عليه وسلم لمعاذ عن ذلك و موافقته لعمر رضي الله تعالى عنه في مراجعته له حين ضرب أبا هريرة الذي ذهب يبشر الناس بهذا امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم أقول إن ذلك كله يثبت يقينا أنه صلى الله عليه وسلم قد صدرت عنه تلك الأحاديث و أمثالها و هو يقصد بكل كلمة فيها معناها الظاهر الذي يفهمه كل عربي و يقصد منها أن يعلن يقينا بدون لبس و لا تأويل أن الله تبارك و تعالى و هو أرحم الراحمين و هو مالك الملك و الملكوت الذي له الخلق و الأمر و الفعال لما يريد , أنه تبارك و تعالى و هو أعلم بخلقه قد ارتضى لعباده و بشرهم بأنه سبحانه قد جعل النطق بالشهادتين وحده موجبا لدخول الجنة منجيا من الخلود في النار و إن لم يقترن بهما أي عمل من الخير فضلا منه و رحمة (إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)المائدة) فكل عبد نطق بهما خالصا من قلبه فقد أوجب الله تعالى له الجنة و حرم عليه بفضله الخلود في النار إذا مات على ذلك , هذا هو المعنى المراد يقينا من تلك الأحاديث و أمثالها و ليس المراد من إخلاص القلب بالشهادتين هو استتباعها لفعل الواجبات و ترك المحرمات فمحال أن يكون هذه بشرى يستجمع لها قلب معاذ و أحاسيسه قبل أن يعلنها له مرتين أو ثلاثة و لما كان هناك معنى لأن يستأذنه معاذ في إذاعتها مرتين أو ثلاثةو لما كان هناك معنى لأن ينهاه صلى الله عليه وسلم ذلك مخافة أن يتكل عليها الناس و يتركوا العمل و لما كان هناك معنى لأن يرسل صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بتلك البشرى و يعطيه نعليه الكريمتين أمارة مؤكدة لتلك البشرى .
أجل لو كان المراد من إخلاص الشهادتين هو العمل بمقتضاهما لما كان هناك معنى لذلك كله و لا لتأثم معاذ من إخبار الناس بهذا الحديث إلا و هو في سياقة الموت بل يكون هذا كله عبثا يتنزه عنه صلى الله عليه وسلم و أصحابه رضوان الله تعالى عليهم و بهذا يتبين يقينا أن تلك الأحاديث و أمثالها يراد منها حقيقتها الظاهرة الواضحة يراد بها إثبات أصل من أصول الإيمان التي يتضمنها تصديقه صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به و أنه يجب على كل من يصدقه صلى الله عليه وسلم في رسالته أن يصدق بأنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن الله تبارك و تعالى أنه سبحانه فضلا منه و رحمة قد جعل كلمة التوحيد التي قامت بها السموات و الأرض مع الشهادة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم سببا موجبا لدخول الجنة لقائلها مُحرِما خلوده في النار أعاذنا الله تعالى من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الافتيات على الله تبارك و تعالى في ملكه .
أجل : إن كل من يضيق صدره بذلك فهو مكذب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مفتات على الله تبارك و تعالى في ملكه يرى نفسه أعدل من ربه (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)المجادلة)
و حسبه أن يكون من تلك الجماعة المارقة التي رأى زعيمها أنه أعدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم و رماه صلى الله عليه وسلم بالظلم حاشا لله ثم حاشا لله فعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال ( قسَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَسْما فقال رجل إنها لقسمة ما أريدَ بها وجهُ الله ) أو ( ما عُدل فيها و ما أيد فيها وجه الله قال فقلت و الله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسااررته فغضب من ذلك غضبا شديدا و احمر وجهه ) أو ( فتغير وجهه حتى كان كالصرف حتى حتى تمنيت أني لم أذكره له , ثم قال : فمن يعدلُ إن لم يعدل الله و رسوله ؟! ثم قال : يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر , قلت : لا جرم لا أرفع إيه بعدها حديثا ).
و عن جابر رضي الله تعالى عنه قال ( أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانه مُنْصَرَفَهُ من حُنين و في ثوب بلال فضة و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها و يعطي الناس . فقال : يا محمد , اعدل , قال : ويلك , و من يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت و خسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال مَعاذ الله أن يتحدث الناس أقتل أصحابي , إن هذا و أصحابه يقرءون القرآن و لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرميه ).
و في رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه في واقعة أخرى مماثلة لتلك ( إن هذا الرجل أو مثله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتق الله يا محمد فقال له صلى الله عليه وسلم : ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله من يطع الله إن عصيته أيأمننى عل أهل الأرض و لا تأمنوني فقالم إليه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال : لا , ثم أدبر فقام إليه خالد سيف الله , فقال : يا رسول الله, ألا أضرب عنقه ؟ فقال : لا , لعله أن يكون يصلي . قال : خالد و كم من مصلِ يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس و لا أشق بطونهم ثم نظر إليه و هو مُقْفِ ! فقال : إن من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام ) أو ( من الدين كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أو قتل ثمود ).
و في رواية أخرى عن علي رضي الله عنه و كرم الله وجهه ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشئ و لا صلاتكم إلى صلاتهم بشئ و لا صيامكم إلى صيامهم بشئ يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم و هو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم و صدق الله العظيم (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) الاحزاب) .
(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) آل عمران) نعم نشهد أن لا إله إلا الله و نشهد أن محمدا رسول الله و نشهد معه صلى الله عليه وسلم امتثالا لما بلغه عن ربه تبارك و تعالى أنه لا يلقى الهه تعالى بهما عبد مسلم إلا حرمه الله تعالى على النار و على كل من ضاق صدره بفضل الله تعالى أت يلتمس له ربا سواه , سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .
سلام على ابراهيم خليل الله أبي الأنبياء الذي يقول فيما أثنى الله تعالى عليه (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36) ابراهيم) و سلام على عيسى روح الله الذي يقول كما أثنى الله تبارك و تعالى عليه(إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و المرسلين الذي ظل يردد في صلاته ليلة بأكملها تلك الآية وحدها لا يزيد عليها (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) و قد روى مسلم الذي أخرج جميع الأحاديث السابقة ( أنه صلى الله عليه وسلم تلا قول قول الله عز و جل في ابراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)) و قول عيسى عليه السلام (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) فرفع يديه و قال : اللهم أمتي أمتي , وبكى فقال الله عز و جل : يا جبريل اذهب إلى محمد و ربك أعلمُ فسله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال و هو أعلم , قال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك و لا نسؤك ) فجزاه الله تعالى عنا خير ما جازى نبنا عن أمته و صدق الله العظيم (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ (6)الاحزاب) (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) التوبة) نسأل الله تبارك و تعالى أن يكرمنا بدعوته و بحسن اتباعه و شفاعته و تنفيذ وصيته .
( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ) و في رواية أخرى ( فسدو و قاربوا فإن المنبت لا أرضاه و لا ظهرا أبقى ) و إذا كان سبحانه و تعالى يهدر نطق المكلف بكلمة التوحيد التي بها أنزل كتبه و أرسل رسله و قسم عباده إلى شقي و سعيد .
روى الترمذي و ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم أنه قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رؤس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة و تسعين سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال : لا يا رب قال : أفلك عذرا أو حسنة ؟ قال ؟: فبهت الرجل . فيقول : لا يا رب فيقول : بلى , إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم , فتخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله , فيقول : أحضروه . فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟! فيقول : إنك لا تظلم قال : فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة , قال : فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة , قال : و لا يثقل شئ مع بسم الله الرحمن الرحيم ) رواه الترمذي و ابن ماجه .
و إذا كان تبارك و تعالى قد جعل خلود الكفار الحقيقيين في النار رهن مشيئته حيث يقول (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107)هود) بل إنه تبارك و تعالى عاتب حبيبه و سيد خلقه صلى الله عليه وسلم حين توقع عدم فلاح رجال من عتاة المشركين الذين شجوا وجهه الشريف في غزوة أحد و أسالوا دمه الكريم و كسروا رباعيته بعد أن امعنوا في إيذائه صلى الله عليه وسلم و في التنكيل بأصحابه رضوان الله تعالى عليهم زهاء ثلاثة عشر سنة في العصر المكي كله حتى اضطروهم جميعا إلى الهجرة و لكنه تبارك و تعالى مع ذلك كله لم يرض لحبيبه صلى الله عليه وسلم أن يتوقع عدم الفلاح حتى لرؤسائهم و قادتهم بل و لم يرض له أن يلعنهم أو يدعو عليهم .
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية و سهيل بن عمرو و الحارث ابن هشام فنزلت (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128آل عمران))أخرجه البخاري و الترمذي و النسائي .
و عن الترمذي ( أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد : اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن صفوان بن أمية . فنزلت (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ (128آل عمران))فتاب عليهم فأسلموا و حسن إسلامهم ).
فمنذا الذي يستطيع بعد ذلك كله أن يقدم بين يدي الله تعالى فيتنبأ بمصير عباده متجاهلا تلك النصوص (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة)

أعلى درجات الإيمان

إذا قرنا تلك النصوص و ما أكثرها بحديث جبريل على نبينا و عليه الصلاة و السلام رأينا مبلغ تفاوت المؤمنين في درجات الإيمان فأعلاهم درجة هو من تحقق بما في حديث جبريل على نبينا و عليه الصلاة و السلام فجمع بين الإيمان و الإسلام و الإحسان .
فهو ذلك الإنسان الذي تمثل عقائد الإسلام حياة لقلبه , و شرائعه و شعائره منهجا لسلوكه , و إعلاء كلمته غاية لوجوده .
ذلك هو الإنسان الذي أدرك مدى ما بين الهدى و الضلال و الحياة و الموت و الظلمات و النور (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا (122) الانعام) (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)آل عمران) ذلك هو الإنسان الذي استأهل أن يعبأ الله تعالى به بما أجاب دعوته و أن يدين له الوجود كله بما هداه غايته (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ا(77) الفرقان) (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) ذلك هو الإنسان الذي عرف مدى فضل الله تبارك و تعالى عليه و مدى تكريمه له. عرف لماذا خلقه الله تعالى بيديه و نفخ فيه من روحه و أسجد له ملائكته و اصطفاه لشرف الخلافة و السيادة على هذا الكون كله الذي خلقه من أجله و سخره لسعادته بسمائه و أرضه و علوه و سفله (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)الجاثية) (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ (64)غافر) فحسب هذا الإنسان أن يكون هو مراد الله تبارك و تعالى من هذا الوجود كله و أن تكون عوالم هذا الكون خلقت كله من أجل خيره و بره , نعم فقد خلق سبحانه من أجله كل ما في الوجود و أفاض عليه نهاية الكرم و الجود .
خلق له الدنيا و ما فيها من طيبات ليتبلغ بشئ منها فيحظى بعبودية الشكر , و ليؤثر إخوته بأحسن ما عنده فيفوز بجزيل الأجر (قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (32)الاعراف) و خلق من أجله كل ما في الدنيا من شرائر و مصائب و محن لئلا يركن يوما إليها و ليفوز بعبودية الصبر عليها و ليواسي فيها من ابتلى بها و هو في كلا الحالتين إما صبور و إما شكور فما أحراه أن يعجب صلى الله عليه وسلم من أمره حين يقول ( عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله لهو خير و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له و إن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له ).
نعم و من أجل هذا الإنسان المؤمن خلق الله تعالى الآخرة بما فيها من جنة عرضها السموات و الأرض و من جحيم و قودها الناس و الحجارة و إن نعمته تبارك و تعالى على هذا المؤمن بخلق النار و ما فيها من ويل و ثبور لا تقل عن نعمته تعالى عليه بخلق الفردوس و ما فيها مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر فإذا كانت الجنة من مظاهر عزته و عظمته و جلاله فإذا كان الذي يحدو المؤمن إلى الجنة هو رجاء كرمه و رحمته و فضله فإنه يجب أن يدفعه إلى أعمالها و إلى احتمال المكاره التي تحفها خوف غضبه تعالى و نقمته و عدله .
فحسب النار أن تكون سبب اللياذ به تعالى و الفرار إليه و الارتماء على بابه و التضرع و الأنين و البكاء بين يديه و كفى بذلك (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50)الذاريات)و حسبها كذلك أن يكون لعياذ منها و الأخذ بحجز المؤمنين عنها و مجاهدة الدعاة إليها من شياطين الإنس و الجن سببا في نيل الشهادة و الفوز بالحسنى و زيادة (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ (111)التوبة) و هكذا يرى المؤمن مدى فضل الله تعالى عليه و مبلغ إكرامه له و أنه سبحانه لم يخلق شيئا في هذا الكون إلا من أجل سعادته و خيره ابتداء من الدنيا التي خلقها لابتلائه بما فيها من خير و شر ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (35)الانبياء) و رخاء و شدة (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ (40)النمل) (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)البقرة) إلى الآخرة التي خلقها تعالى لجزائه بما فيها من جنة يهيم بها رجاء فضله و نار يفر منها اتقاء عدله .
و ابتداء من أكبر أعدائه إبليس إلى أصغر أوليائه ملائكة الله المكرمين (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (31)فصلت) أجل فقد تعبد الله تبارك و تعالى ملائكته الأكرمين بالقيام على مصالح المؤمن في الدنيا و الآخرة فجعل منهم حفظة يحفظونه يسيروندائما في معيته (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهٍ (11)الرعد) ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل و ملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة الفجر و العصر فيسألهم ربهم و هو أعلم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم و هم يصلون و أتيناهم و هم يصلون ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم و جعل منهم رسلا يحملون إليه الوحي من أجل سعادته (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ (75)الحج) (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) التكوير) و جعل منهم طوائف لحماية الرسل أثناء تبليغ الوحي إليهم من استرق الشيطان أو تخليطه (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)الجن) و جعل منهم طوائف أخرى لتأييد المؤمن و تبشيره بنصر الله تعالى و الانتقام من أعدائه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) الاحزاب) (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) آل عمران) كما جعل سبحانه منهم طوائف لتدبير شئون المؤمن في الدنيا و تيسير رزقه (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) النازعات)( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ (13) الرعد) و جعل منهم طوائف أخرى لتبشيره برضوان الله تبارك و تعالى و حسن عاقبته عند وفاته (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32) فصلت) و طوائف أخرى لحسن استقباله و تأمين روعه و تبشيره بالسعادة الأبدية (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39)عبس)( لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103) الانبياء)
و لعله تعالى حشدهم جميعا لتهنئته و مشاطرته و أمسه بالفوز العظيم (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد) كما حشدهم تبارك و تعالى قبل ذلك للاستغفار له(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ (5) الشورى) حتى حملة العرش منهم فما أعظمها من كرامة و فضل (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) غافر) .
تلك هي بعض آثار الإيمان و ثماره و بركاته و أنواره أجل تلك هي أسرار الإيمان الذي هدى الله تعالى إليه الإنسان بفطرته و حدد له طريقهُ بإرسال رسله صلوات الله و سلامه عليهم و إنزال كتبه تحقيقا لسعادته و أعان المؤمن على سلوكه بتسخير جميع خليقته .
و ذلك كله فيض من و لايته تعالى و تأييده و محبته و صدق الله العظيم حين يقول في الحديث القدسي ( و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و إذا تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا و إذا تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا و إن أتاني يمشي أتيته هرولة و إن دعاني لأجيبنه و إن سألني لأعطينه و إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه و ما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن يكره الموت و أنا أكره مساءته ) سبحان ربي العظيم (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس)
هذا هو المؤمن الذي يتسابق الوجود كله إلى خدمته و تحقبق سعادته فأين هو من الكافر الذي يلعنه كل من في الوجود و يتبرأ منه و يتربص به كل موجود (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (162) البقرة) حتى سمعه و بصره و جلده (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) فصلت) حتى لسانه و يده و رجله (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) النور) حتى و ليه الشيطان الذي أغواه و أراده (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (17) الحشر)
و مصدر ذلك كله و جوهره (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة) ليس للمؤمن في هذا الوجود كله إلا عدو و احد هو ذلك الشيطان الذي الذي ابتلاه الله تعالى به فضلا منه و رحمة .
أجل ابتلى الله تعالى المؤمن بالشيطان فضلا منه تعالى و رحمة بالمؤمن و أي فضل أعظم من ذلك و رحمة ؟
أجل إن هذا الابتلاء هو وحده طريق المؤمن إلى الجنة . أجل لأن هذا لالبتلاء هو سر الوجود كله من ألفه غلى يائه , هو سر كل ما أسبغه الله تعالى على هذا الإنسان من نعم ظاهرة و باطنة , هو سر إنسانية الإنسان و نشأته , سر إبداعه و تكريمه و إحسان صورته , سر اصطفائه و سيادته و خلافته , سر حياته و موته , سر سعادته و شقوته , و أخيرا هو سر وجود هذا الكون كله و سر الإبداع و الإحسان و الإتقان في كل محتوياته و سر انبعاث جميع حركاته و طاقاته (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) أجل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل) (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (3) يونس) لما ذلك كله (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) هود) أجل(صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل) (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (7)السجدة) (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) هود) أجل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل) (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين) (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ُ (3)التغابن) (وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ (28) البقرة) لماذا كل هذا (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)الانسان) (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)الملك) أجل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل) (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) هود)( إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل)( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)الزلزلة).
نسأل الله تبارك و تعالى أن يرحمنا من عدله بفضله إنه أرحم الراحمين و أن يشفع فينا سيد المرسلين صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين و آلهم و الملائكة و آتاه الوسيلة و الحمد لله رب العالمين .
و إنما كانت نعمة الابتلاء بتلك المنزلة من الوجود كله لأنها وحدها هي طريق الفرار إلى الله تعالى في معية القيادة الراشدة الأمينة (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) الذاريات)نعم هي طريق الفرار و اللياذ به تعالى من أعدى أعداء الإنسان ذلك الشيطان الذي لا عدو له سواه و الذي يجري منه مجرى الدم و الذي تحرق و اشتعل و تميز حقدا على آدم بما اصطفاه الله تعالى حتى وصل به ذلك إلى الاعتراض عليه تبارك و تعالى و الإعراض عنه و رفض أمره فاستوجب لعنته و طرده و شقائه الأبدي و لم يزده ذلك إلا إمعانا في العداوة و البغضاء و إصرار على أن يحشد كل طاقة و يهتبل كل فرصة و يقتحم إلى النفس الإنسانية كل مأزق و يتخذ من كل شئ في الوجود سلاحا ليفتك بها عن مصدر الهدى و النور و الحياة ثم يتركها في النهاية حطبا لجهنم (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ص)

الحقائق التي نستخلصها مما سبق

نستطيع أن نستخلص من النصوص و الأدلة السابقة الحقائق التالية :-
1- أن الإيمان و الإسلام و العمل هي خطوات أو مراحل ثلاثة في الطريق غلى الله تعالى .
2- و أن لكل خطوة منها حقيقتها و آثارها التي تميزها عن غيرها .
3- فحقيقة الإيمان هي التصديق بكل أصل من الأصول السته المذكورة في حديث جبريل على نبينا و عليه أفضل الصلاة و السلام تصديقا يطمئن له القلب و تذعن له النفس إذعانا تتأبى معه على الشك فيه أو رفض مطالبه أو الرضا بنقيضه – أما الإسلام فهو نطق المكلف بالشهادتين معلنا براءته من معسكر الكفار و مناهجهم إلى معسكر المسلمين و مناهجهم و أما العمل فهو حركات المكلف انطلاقا و انكماشا متبعا لأوامر الله تعالى و نواهيه .
4- أن مبعث الإيمان و محضنه و مشرقه و موطنه هو القلب وحده . أما أداة الإسلام فهي اللسان وحده . أما العمل فإن مبعثه و أدواته هو الإنسان بكل طاقاته و جوارحه و كينونته .
5- أنه يمكن بل يجب علينا إكراه الناس على الإسلام و على سائر أعماله إذ متنعوا عن شئ منها و ذلك بقتالهم و بإقامة الحدود و العقوبات التعزيرية و تغيير المنكر باليد و هذا بخلاف الإيمان فإنه لا يمكن الإكراه عليه لأنه لا يقوم إلا على الاقتناع الذي تنفعل به النفس انفعالا يذعن له القلب استجابة لفطرة من أنار الله تعالى بصيرته (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) يونس) و ليست هذه الآية و أمثالها نهيا عن الجهاد و لا تقريرا و لا إعلانا لحرية الكفر و الإلحاد كما تزعم ذلك مدرسة الشيخ محمد عبده رحمه الله تعالى حيث تجرد الإسلام من أخص خصائصه و هي الجهاد الدائم بالنفس و المال لإنقاذ الناس جميعا من شقاء الدنيا و جحيم الآخرة . أجل ليست هذه الآية و أمثالها إعلانا لحرية الكفر و الإلحاد كيف و قد قال الله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ (193) البقرة) (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) محمد) (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)الانفال) و قال صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) و لم تشرع الجزية كبديل للإسلام لأهل الكتاب خاصة إلا في آخر حياته صلى الله عليه وسلم على أنها لم تشرع لتكون بديلا دائما له و لكن لتكون طريقا لهدايتهم إليه حين يشعرون بأن لا سبيل لهم إلى العِزة برفع الجزية و الصغار عنهم إلا بالإسلام (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65) الحج) فليست تلك الآية و أمثالها ليست إلا عتابا له صلى الله عليه وسلم لشدة حزنه على أولئك الجاحدين الذين لم تشرق بنور الإيمان قلوبهم و لم تسعد به حياتهم رغم شدة تضحيته صلى الله عليه وسلم و أصحابه بحياتهم في سبيل دعوتهم و جهادهم ثم هي مواساة و تسلية له صلى الله عليه وسلم و إعذارا له كذلك بأنه ليس مسئولا عن هلاكهم ما دام قد أدى واجبه من التبليغ و الجهاد لأنه لا يستطيع أن يحول قلوبهم و لا أن يكرههم على الإيمان مادام الله تعالى قد سبق في علمه و مشيئته أنهم لا يؤمنون و لهذا جاء عقب هذه الآية مباشرة (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ (100)يونس) و إن الذي دفع بمدرسة الشيخ محمد عبده إلى هذا المسلك :
1- هو ظنهم أن الإسلام والإيمان شئ واحد و غفلتهم عن عشرات النصوص التي تشهد بأنهما شيئان لكل منهما حقيقته و آثاره و إن في نفس الآية التي خُدِعوا بظاهرها و أمثالها ما يثبت ذلك فإنه تعالى قال (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) يونس) و لم يقل حتى يكونوا مسلمين و قال بعد ذلك (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ (100)يونس) و لم يقل أن تسلم و كذلك قال سبحانه (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) الشعراء) و لم يقل ( أن لا يكونوا مسلمين ) .
2- وقوعهم في أخبث أحبولة حاكها شياطين المستشرقين ليستأصلوا من نفوس المسلمين حقيقة الإسلام الصحيح , تلك الأحبولة هي قولهم بعقلانية الإسلام و تسامحه و مجافاته للعصبية و مسالمته لجميع أعدائه و قد أشاد المستشرقون بذلك كله ماكرين مخادعين ليدفعوا بالمسلمين إلى أعظم الجرائم التي تنتهي بهم إلى التحلل جملة من الإسلام فقد أرادوا :
(1) أن يغرسوا في نفوس المسلمين منتهى الثقة بهم حتى يجلسوا منهم دائما مجلس التلميذ الصغير من أستاذه الكبير .
(2) و أن يحملوهم على الإعجاب بنزاهتهم و حيادهم و عدم تأثرهم بالدين في أحكامهم .
(3) و أن يدفعوا بالمسلمين إلى تقليدهم في نبذ الإسلام و عدم التأثر به في إصدار أحكامهم كما نبذ هؤلاء ديانتهم الباطلة الزائفة المحرمة (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ (68) المائدة)( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (15) المائدة).
(4) أن يجتثوا من نفوس المسلمين خشية الله تبارك و تعالى و عبوديته و الإذعان لألوهيته و ربوبيته و أن يجرئوا المسلم على أن يحاكم ربه في كل تشريعاته و أوامره و نواهيه إلى عقله هو مادام الإسلام هو دين العقل و من لوازم ذلك رفض جميع الغيبيات و الأحكام التعبدية التي هي جوهر الإلام و روحه و حقيقته . و هكذا ينتهي الأمر بالمسلم إلى أن يكون عبدا لعقله لا عبدا لربه و أن يعامل مولاه كما يعامل أحد أنداده و هذه ردة صريحة عن الإسلام و شرك خالص لا مكان فيه للتوحد (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1) الانعام)
(5) أن يخلقوا في المسلمين أنانيات متدابرة و نزاعات متناحرةةة في فهم الإسلام و تطبيقه حسب اختلاف عقولهم و أهوائهم في فهم الإسلام و تطبيقه حسب اختلاف عقولهم و أهوائهم و هيهات أن يتفق اثنان في النزاعات و العواطف و الميول و بهذا يضمنون تمزق وحدة المسلمين و القضاء على الأخوة الإسلامية التي هي من أعظم نعم الله تعالى علينا و التي عليها وحدها قامت دولة الإسلام باسم الله تعالى تقود الإنسانية كلها إلى سعادة الدنيا و الآخرة (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) الجمعة)
إن الإنسان إنما يكون حرا في التحاكم إلى عقلة إذا كان أمامه طريقان قد توفر في كل منهما بعض المنافع و التبعات و لا يوجد في الدنيا طريق أو نظام يمكن أن يقارب الإسلام في وقاية الإنسان من حتمية الشقاء الأبدي و الخسران فإن الإسلام وحده هو الذي يعصم الإنسان من شقاء الدنيا و جحيم الآخرة (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران)( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر) أجل إن الإسلام ليس واحدا من تلك النظم الأرضية التي تتملق الناس بحل مشاكلهم المادية أو ملء بطونهم أو قضاء مآربهم فإن تلك النظم إنما تستهدف الحياة الدنيا و حدها و تتمثل فيها صفات البشر الذين وضعوها في حاضرهم و مستقبلهم فضلا عن الإحاطة بظروف الآخرين و بما يخبئه القدَرُ في اللحظات المستقبلية , حاشا أن يكون الإسلام واحدا من تلك النظم وحاشا أن يكون الإسلام واحدا من تلك النظم و حاشا ثم حاشا أن يقارن بها (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان) (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)الملك) (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) هود) على أن تلك النظم مهما عُنِيَ بها أصحابها و حشدوا لها كل ما ورثوه من علوم و فنون فإنها لا تستطيع أن توفر للإنسان إلا بعض المنافع المادية في تلك اللحظات التي يحياها جماعة من الناس في حياتهم الدنيا – وما الحياة الدنيا بكل ما فيها من زينة و فتنة تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة و هي لا تساوي لفحة واحدة في الجحيم يوم القيامة و قد جاء في الحديث الصحيح ما معناه ( يؤتى بأَنعَمِ أهل الدنيا فيغمس في الجحيم غمسة واحدة ثم يقال له هل رأيت نعيما قط ؟ فيقول : لا والله ما رأيت نعيما قط ) و هذا يلمسه كل إنسان ممنا لمسا فطريا ضروريا في نفسه فإنه مهما عاش في النعيم لا يستطيع أن يشعر به بعد زواله و لا أن ينسيه مرضه أو أقل ألم في ضرسه مهما كانت ذكرياته السعيدة , و فضلا عن ذلك فإن الحياة الدنيا لا تساوي طرفة عين و لا ومضة برق إذا قسيت بحياة الآخرة الأبدية تلك الحياة التي سيقول عنها الكافر نفسه يوم القيامة حين يرى خيبته و شقاءه الأبدي (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر) و معنى هذا أن الدنيا التي عاشها كلها في نعيم لا تستحق في نظره الآن أن تسمى حياة بجانب ما يعانيه الآن من الشقاء الأبدي للكافرين و السعادة الأبدية للمؤمن إننا إذا قارنا الفترة التي عاشها آدم عليه السلام بالفترة التي قضاها في قبره منذ مات حتى الآن لم نجد فترة حياته شيئا يذكر فكيف إذا قارناها بالفترة التي يقضيها في قبره عليه السلام إلى يوم القيامة و كيف إذا قارناها بالحياة الأبدية التي سوف يحياها في الجنة بعد ذلك إن شاء الله .
فكيف يستطيع أي تشريع أرضي أن يحقق للإنسان شيئا من تلك السعاده حتى يمكن لأن يقال إن الإنسان حرٌ في أن يختار الإسلام أو لا يختاره . إن من الخطأ كل الخطأ و الجهل كل الجهل و الهزيمة كل الهزيمة ذلك الأسلوب الذي يتبعه بعض الناس في المقارنة بين الإسلام و بين تلك المذاهب بأن يَعِرضَ الإسلم من خلالها و لا يرى مجالا لتفضيله عليها إلا أنه صالح لكل زمان و مكان فإنه مساير للتطور و أنه يستطيع في نظره أن يحل مشاكل الجماهير – أستغفر الله - .
إن المقارنه بهذا الأسلوب توحِي بأن المذاهب أصالة و قوة و قدرة على حل المشاكل و صلاحية لبعض الأزمنة و الأمكنة كما تُصور الإسلام طارقا غريبا مدفوعا بالأبواب يستجدي الناس مجرد التفاته إليه و لا يجد القوة و الأصالة الذاتية ما يستطيع به أن يَعرِض نفسه عرضا مستقلا أصيلا و إنما يكفيه أن يعرض نفسه من خلال تلك المذاهب الجاهلية التي لا يجد في حقيقته ما يميزه عنها تمييزا ذاتيا و حسبه أن يتميز عنها في العوارض – في سعة مساحة الزمان و المكان اللذاين يستطيع فيهما أن يقدم خدماته للجماهير و كفى بذلك حُمقا و خزيا و هزيمة (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122)الانعام)
إن على من يحاول المقارنة بين الإسلام و بين أوضاع الجاهلية و مذاهبها و أنظمتها أن يعلم :
1- أولا أن واضعى تلك النظم و المذاهب هم الذين قال الله تعالى فيهم (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55) الانفال)( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ (39) النور)( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22) الانفال)( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) الملك)( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الاعراف)( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ (12) محمد)( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف)( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) و من أجل ذلك كله كانت تلك النظم أو المذاهب الجاهلية ركاما من عماية الكفر و شقائه و جحوده و جاهلية الإنسان و ظلمه و كنوده , و كانت قصارى عنايتها بل منتهى عبثها و نكايتها هو هيكل الإنسان المادي الحيواني الذي يشاركه فيه الكلب و الخنزير و الحمار و حياته الدنيا دون أن يكون لها أدنى تصور لحقائقه العليا التي بها وحدها كان إنسانا و لا أدنى تصور لحياته الأخرى الأبدية التي من أجلها خُلِقَ ليعيش في الدنيا تلك اللحظات التي يقرر فيها مصيره بنفسه إلى السعادة الأبدية أو الشقاء السرمدي الذي لا خسران بعده (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) الزمر) فإذا كان بين المجانين من يؤمن بحرية الجائع في أن لا يُؤثِرُ العسلَ على الصاب و بحرية الضمآن في أن لا يُؤثِر السلسبيل على السراب و بحرية الميض في أن يرفض نصائح جميع الأطباء , و بحرية الزوجة في أن تبيت في فراش غير زوجها , و بحرية كل فرد في الدولة بأن يتآمر مع أعدائها و بأن يهدد جميع قوانينها و بحرية كل مرءوس بأن ينبذ أوامر رئيسه و بحرية الأعمى الأصم في أن يقود أكبر سيارة بأقصى سرعة على الشاطئ المحيط أو في أعتى الميادين و أعظمها ازدحاما و نشاطا و حركة .
أقول إذا كان بين المجانين فضلا عن العقلاء من يؤمن بأمثال تلك الحريات التي مهما عظم خطرها و تفاقم ضررها فلم تتجاوز آثارها إلا ضياع الحياة الدنيا التي لا تساوي مهما طالت بضع لحظات في حياة الإنسان الحقيقية .
أقول إذا كان بين المجانين فضلا عن العقلاء من يستطيع أن يُحِمِل الإنسانية تلك المهالك و الأخطار الدنيوية في سبيل ما يسمى بالحرية فَمن المؤكد أنه لا يمكن و لا يُتصور بحال أن يكون بين المجانين فضلا عن العقلاء من يستطيع أن يؤمن بحرية الإنسان في أن يقذف بنفسه في هاوية الجحيم و أن يختار الحميم و الزقوم و الغسلين و أن يوطن نفسه على أن يكون من هؤلاء (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج) و أن لا يكون من هؤلاء (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ (15) محمد) بل حسبه أن يكون من هؤلاء (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (15)محمد)( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) النساء)( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ (37)الحاقة) (إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا (14)المزمل).
فهل يستقيم مع كل تلك النصوص و أمثالها أن يقال إن الإسلام يكفل للناس حرية الكفر به و الإعراض عنه لظاهر قوله عز شأنه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) و قوله سبحانه (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)البقرة) أيكون ظاهر هاتين الآيتين تقريرا لحرية الكفر و الإلحاد و حماية للشرك أصل جميع الجرائم و مصدر كل فساد فقيم إذا كانت تلك النصوص التي تحطم النفوس رُعبا و هولا و تذيب المشاعر و القلوب فزعا على مصير كل كافر بالإسلام أو معرض عنه سواء كان من المشركين أو من أهل الكتاب(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) البينة)( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) البقرة)( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) التوبة)
فيم إذن كانت تلك النصوص و أمثالها و لماذا قال عز شأنه (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)آل عمران) و لماذا أمرنا سبحانه و تعالى بجهاد الكفار و الإغلاظ عليهم و الإمعان في قتالهم و عدم مسالمتهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون بمثل قوله سبحانه (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة)( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)التوبة)( وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً (36) التوبة)ففرض علينا سبحانه وتعالى قتال الكفار على اختلاف مللهم سواء أكانوا مشركين أو أهل كتاب و نهانا عن مسالمتهم بقوله عز شأنه (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)محمد) و قوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً (123) التوبة)( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (73) التوبة) فإن أسلموا أو التزموا الجزية و الصغار سالمناهم و هذا هو المراد بقوله عز شأنه (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ُ (61) الانفال) فهذه الحالة الوحيدة التي شرع الله تعالى لنا مسالمة الكفار و إلا ففيم كانت جميع تلك النصوص التي فسرها صلى الله عليه وسلم هو و أصحابه بدمائهم و حياتهم تفسيرا علميا لا يحتاج أدنى تأويل أو زيغ , و لماذا عمق الله تبارك و تعالى في نفوسنا عداوة الكافرين من الشيطان و حزبه منذ بدأت المعركة في تلك الحياة بنزول آدم على الأرض (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (36) البقرة) و ما زال سبحانه يعمقها و يعمقها على لسان كل رسول حتى قال على لسان خاتم النبيين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) الحج)( إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا (101) النساء)( مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ (105) البقرة)( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ (29)الفتح)( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) آل عمران) و بين سبحانه أن تلك العداوة باقية مستمرة عنيفة قاسية إلى يوم القيامة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) الروم) و قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون عليه لا يضرهم خُلفُ من خالفهم حتى يأتي أمر الله و هم على ذلك ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم . و لماذا أخبرنا سبحانه أن جهاد الكفار و الإمعان في قتالهم هو شريعة كل نبي بمثل قوله سبحانه (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران)( وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) البقرة)( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ (161) آل عمران) و حديث النبي الذي حبس الله تعالى له الشمس حتى انتصر على أعدائه و أدرك صلاة العصر و حديث النبي الآخر الذي غل بعض أتباعه من الغنيمة مثل رأس البقرة إلى غير ذلك من الآيات و الأحاديث الصحيحة التي تعمق و تؤصل في نفوس المؤمنين دائما عداوة الكافرين و جهادهم و التضحية بحياتنا و دمائنا في سبيل إنقاذ أنفسنا و إنقاذهم من شقاء الدنيا و جحيم الآخرة – بل إن قتل الأسرى من الكفار بعد استسلامهم كان أيضا من شريعة كل نبي و ذلك إرهابا و إمعانا و إثخانا في قتل الكفار و إسالة دمائهم فلعل ذلك يقذف الرعب في قلوبهم فيفزعوا إلى الأمن و السعادة في الدنيا و الآخرة باعتناق الإسلام و أقرأ معي إن شككت فس ذلك اقرأ معي عقب تلك الآيات التي يتمشدق بظاهرها أولئك المتمشدقون الذين يريدون تعطيل الإسلام و تجميده و القضاء عليه بزعمهم إنه يحمي الكفر و الكافرين و يكفل لهم حرية الكفر و الإلحاد و إن لم يسلموا و لم يؤدوا الجزية و الله تعالى يشهد أن هذا ضلال مبين و مروق عن الدين لا يُعّضرُ صاحبه بالغفلة أو حسن النية فقد قال سبحانه عن المشركين (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) الطور) و مع ذلك فهم مشركون مع قوله سبحانه (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) الانعام) تلك الآية التي يتمشدقون بظاهرها في قوله تعالى (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الانفال) و قد سبق بيان معناها و ليست أدرى كيف غفلوا أو تصنعوا الغفلة عن الآية التي تعقبها بأسطر و التي تهب بالمسلمين و بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدوا بشريعة الأنبياء قبله في الإمعان و الإثخان و التفتن في قتال جميع الكفار أعداء الله تعالى حتى من استسلم منهم أسيرا نعم و صدق الله العظيم (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ٌ (67) الانفال) نعم ( حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ٌ (67) الانفال) و هكذا اشتد العتاب المبرح لرسول الله صلى الله عليه وسلم و هو أكرم الخلق على الله تعالى و أحبهم إليه و لأصحابه و على رأسهم أبوبكر الصديق رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . اشتد عتابه تبارك وتعالى لهم مع خروجهم من غزوة بدر الكبرى منتصرين انتصارا ساحقا فلم يكن أحد من الكفار يستطيع أن يرفع إليهم رأسا و لا أن يخالف لهم كلمة و قد استسلم لهم عتاة قريش و صناديدهم فماذا بقي بعد ذلك كله من مظاهر النصر و أي ضرر يُخشى من إطلاق أولئك الأسرى تقديرا لما بينهم و بين المسلمين من رحم فلعل ذلك قد يميل بهم إلى الإسلام و لعل المسلمين ينالوا منهم الأموال يستعينون بها على تمكين دولتهم الناشئه و يعوضون بها بعض ما سابه منهم أولئك الكفار من أوطانهم و أموالهم قبل الهجرة !
لماذا لم تكن تلك الاعتبارات و غيرها جديرة بالتقدير في ميزان الله تعالى ما دام الأصل في الإسلام كما يفترى هؤلاء هو حرية الكفر و الإلحاد (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) النور)
نعم لم يكن شئ من تلك الاعتبارات جديرا بالتقدير في ميزان الله تعالى بل عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم و صحابته أشد العتاب على قبول الفداء و عدم إسالة الدماء بقتل أولئك الأسرى المستسلمين المسالمين و اشتد العتاب و اشتد حتى أغرق صلى الله عليه وسلم في النحيب و البكاء و حتى قال حديثه الشريف ( لقد عرض على عذابكم أقرب من هذه الشجرة ) و قال ( لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه إلا عمر ) نعم عمر الذي أعلنها قوية مدوية حين استشاره صلى الله عليه وسلم في أولئك الأسرى ( يا رسول الله كذبوك و آذوك و أخرجوك فمرنى أن أضرب أعناقهم و أن أبدأ بقتل أخي ) . رضوان الله تعالى على عمر لقد كان حقا من الملهمين المحدثين – و أخيرا فلماذا تولى الله تعالى بنفسه إهلاك الجبابرة و الفراعنة الذين قد يعجز المؤمن عن جهادهم في بعض الحالات و لماذا لم يتركهم أحرار يكفرون أو يشركون كما يشاءون و كما يشاء لهم الشيطان اللعين (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) العنكبوت) و لماذا رفع سبحانه الجبل على بني اسرائيل و هددهم بإلقائه عليهم إن لم يتقبلوا التوراة و يعلنوا استسلامهم لأمره و حكمه (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) البقرة)( وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ (171) الأعراف)( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84) يونس)فلماذا أرغمهم الله تعالى بالقوة على أن يكونوا مسلمين و لم يتركهم أحرارا مارقين!!
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .
إن تجريم أي قانون لعمل ما و تقريره أشد العقوبات لمن يقترفه ثم إعلان هذا القانون نفسه بأن يكفل حرية الناس في مزاولتهم لهذا العمل الذي جرمه و قدر له أشد العقوبات – إن ذلك التناقض المضحك هو إهدار صريح من المشرع لهذا القانون و إعلان عدم صلاحيته و عدم جديته و بأن هذا المشرع لهذا إما أن يكون جاهلا بصلاحية هذا القانون أو كاذبا في تقرير تلك العقوبة أو عاجزا عن تنفيذها أو هو عدو لدود للناس جميعا يريد أن يزج بهم في أُتون تلك العقوبة و يستدرجهم إلى الهاوية بإعلان حريتهم في مزاولة هذا العمل أو تلك الجريمة النكراء هذه كلها عظائم لا تليق بعقلاء البشر فكيف تليق بالإسلام و هو تشريع الحكيم العليم الرحمن الرحيم (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان) نعم إنه كان غفورا رحيما وسعت رحمته كل شئ بل إنه لا رحيم سواه , إن أرحم الناس بالإنسان و أولاهم به و أحناهم عليه هما والداه و إن رحمتهما لا تساوي شيئا و لن تساوي شيئا من رحمة الله تبارك وتعالى بل إنها ليست إلا ومضة من فيض رحمته تبارك وتعالى و فضله و قد جاء في الحديث الصحيح ( إن الله تعالى جعل الرحمة مائة جزء فجعل لنفسه تسعة و تسعين جزء و جعل للخلق كلها جزءا واحدا به يتراحمون فمن ذلك الجزء ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ) ( و لو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة و لم يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم فماذا تساوي رحمة الخلق جميعا بالنسبة لرحمته تعالى ؟!!
و ما تساوي رحمة الوالدين بالنسبة إلى ذلك ؟!!
و إذا كان لا يستقيم حتى في تقدير المجانين أن تترك الأم لطفلها الحرية في أن يقذف بنفسه في النار أو في خضم المحيط فكيف يمكن أن نتصور أن الإسلام الذي شرعه أرحم الراحمين يكفل للناس الحرية في أن يقذفوا بأنفسهم في الجحيم طائعي ؟!
أجل لقد حرم الإسلام الكفر بل جعله أصل الجرائم كلها و أكبر الكبائر و المفاسد جميعها و قرر له أبشع و أشنع و أفضع العقوبات التي لا نهاية لها و لا سبيل إلى مغفرتها أو تخفيفها (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37) فاطر)( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) إلى كثير من تلك الآيات التي ينفطر لها كل قلب و تذوب من هولها كل نفس , و إذا كان القانون الذي يعاقب على أي جريمة بالحبس شهرا واحدا لا يمكن أن يقال في شأنه إنه يكفل حرية الناس في مزاولة تلك الجريمة و إذا كان تحديد إقامة الإنسان في بيته و بين أهله يعتبر تقييدا لحريته فكيف يوصف الإسلام الذي جعل عقوبة الكفر هي الخلود الأبدي في الجحيم و الزقوم و الغسلين و الخزي العظيم كيف يوصف مع هذا كله بأنه يكفل للناس حرية الكفر به و الإعراض عنه حتى و لو لم يفرض علينا جهاد الكفار أو دعوتهم إلى الإسلام .
إن تأخير العقوبة إلى الدار الآخرة لا يهون من أمرها في كثير أو قليل فإن الآخرة أقرب للإنسان من ذرة الهواء التي يتنفسها فإننا إذا فرضنا أن دولة ما أرسلت بعثة من أبنائها إلى الخارج و توعدتهم بأن كل ما انحرف عن سلوكه فسوف تستدعيه قهرا عنه و لو بعد انتهاء الرحلة لتطبق عليه العقوبة المقررة و هي سحب شهادته و إلغاء أهليته و إيداعه السجن مدى الحياة – إذا فرضنا أن دولة عملت مثل هذا العمل و هو أمر ممكن سائغ في عرفهم فإنه لا يمكن أن يقال إن تأجيل العقوبة إلى ما بعد انتهاء البعثة يعتبر من الدولة كفالة لحرية هذا الانحراف الذي قررت له تلك العقوبة فكيف يكون عقوبة الكافر في الدار الآخرة التي هي أقرب إليه من كل قريب ؟!
كيف يكون ذلك تهوينا من شأن العقوبة أو ضمانا لحريته في مزاولته أعظم جريمة ؟!
إن الله تبارك و تعالى و هو أرحم الراحمين قد تجلت رحمته و تركزت و تمركزت في نعمته علينا بهذا الإسلام الذي هو وحده مصدر كرامة الإنسان و جوهر سعادته و من أجله وحده أفاض الله تعالى على الإنسان كل نعمة و منحه كل حق فبدون الإسلام لا يكون الإنسان أهلا للحياة التي يتمتع بها الحيوان فضلا عن أن يكون أهلا للحرية أو الكرامة التي هي مستمدة أصالة من جوهر الإسلام (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ (12) محمد)( أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (179) الاعراف)( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ (193) البقرة)
فإن تكريم الله تبارك و تعالى للإنسان ليس هو في أن خلقه بشرا سويا في أحسن تقويم , و ليس هو في هذا الكون الذي سخره كله له , و لا في هذا العقل الذي ميزه به و الذي استطاع به أن يحطم الذرة و يجوب الفضاء و يغوص تحت أعماق الماء و يسسطر على هذا الوجود , و ليس هو في تلك الطاقات و العبقريات التي تجلت مظاهرها في الحضارة الفرعونية أو الأغريقية أو الرومانية أو الأوربية التي ورثت جميع الحضارات – و ليس هو كذلك في كل ما أفاض عليه تبارك وتعالى من تلك النعم التي لا تُعَدو لا تُحصَى .
أجل : إن تكريم الله تبارك و تعالى للإنسان ليس في كل هذا كيف وقد حكم سبحانه على هذا الإنسان الذي أفاض عليه تلك النعم التي لا تعد و لا نحصى بأنه مع ذلك ظلوم كفار (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ابراهيم) و حكم عليه كذلك بأنه ظلوم جهول رغم إكرامه بتلك النعم التي لا تعد و لا تحصى (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)الاحزاب)أجل و سيظل ظلوما كفارا و ظلوما جهولا مادام يتحاكم إلى غير شريعة الله و يهتدي بغير هداه(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة)( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)المائدة)( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)المائدة)( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) المائدة)
و لكن تكريم الله تبارك وتعالى للإنسان إنما هو في اصطفائه عبدا له و هداية فطرته و حقيقة إنسانيته و جوهر سعادته في الدنيا و الآخرة(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)طه) و كل ما أفاض عليه بعد ذلك من النعم التي لا تعد و لا تحصى فإنما هي أجنحة و أسلحة وزاد يقطع به الطريق و يحارب عدوه الشيطان و حزبه حتى يسعد بلقائه تعالى في جنة عرضها السموات و الأرض (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) يونس) فالإنسان بدون هذا الإسلام لا وزن له فضلا عن أن يكون له كرامة أو حرية أو كيان(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر)( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)الفرقان) يعني أن مظهر تكريمه تعالى لنا و عبوئه سبحانه بنا هو دعوته لنا إلى هذا الإسلام الذي هو سعادتنا الحقة في الدنيا و الآخرة فمن كذب به كان لزاما عليه تبارك و تعالى ألا يعبأ به (إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)المائدة)( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) هود)
و بعد هذا الاستطراد نعود إلى أصل الموضوع و هو (الحقائق التي يمكن استخلاصها من حديث جبريل على نبينا و عليه الصلاة و السلام و من أحاديث دخول الموحدين الجنة و عدم خلودهم في النار ).
سبق القول بأن الإيمان و الإسلام و العمل هي خطوات أو مراحل في الطريق إلى الله تعالى .
2- و يجب أن نعلم أن تلك المراحل الثلاث لا توجد دفعة واحدة و لكنها مرتبة في الوجود – فأولها و أسبقها وجودا و أساسها هو الإيمان لأنه هو أصل اليقين المتمكن ممن القلب الذي تنفعل به النفس , و ثانيها في الوجود و أولها ظهورا للناس هو الإسلام لأنه نطق اللسان بالشهادتين – و ثالثهما هو العمل بمقتضيات الإيمان و الإسلام أمرا و نهيا و حركة و انطلاقا في الحياة كلها .
3- و هذه المراحل الثلاثة غير متلازمة في الوجود :
(1) فقد يوجد الإسلام و العمل بدون الإيمانة كما في المنافقين و العياذ بالله تعالى .
(2) و قد يوجد الإسلام وحده بلا إيمان و لا عمل كما في الإنسان الذي ينطق بالشهادتين نطق لسان فقط خوفا من السيف ثم يموت على ذلك قبل أن يأتي أي عمل من أعمال الإسلام .
(3) و قد يوجد العمل وحده بلا إيمان و لا إسلام كما في بعض الكفار الذين يتخلقون بأخلاق الإسلام من الصدق و الأمانة و الوفاء و يساهمون في الكثير من أعمال البر كالملاجئ و المستشفيات و كما هو حا لكثير ممن ينتسبون إلى الإسلامو يتحاكمون إلى شرائع الجاهلية مؤمنين و معلنين بأنها خير من الإسلام في نظرهم السقيم و قلوبهم الغلف التي ترى أن الإسلام لم يعد يصلح للعصر(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) الكهف)
(4) وقد يوجد الإيمان وحده بدون إسلام و لا عمل و ذلك في حق الكافر الذي أنار الله فطرته و شرح صدره للإيمان فأيقن بجميع أصوله يقينا حازما و عزم على الهجرة إلى معسكر المسلمين لإعلان إسلامه و لكن عاجله أجله قبل الهجرة (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ (100) النساء)
4- إن الإيمان شرط لصحة الإسلام و العمل و قبولهم عند الله تبارك وتعالى فلا يقبل الله تعالى من الإنسان إسلاما و لا عملا مهما كان شأنه إلا إذا كان مؤمنا مصدقا بجميع أصول الإيمان الستة و كان عنله خالصا لله تعالى وحده (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) النحل) فمهما عمل الكافر من خير أو بر فلا أجر له مادام لا يؤمن بالله الذي خلقه ووهبه الحياة و منحه كل الطاقات التي لولاها ما استطاع مزاولة تلك الأعمال و لا غيرها من مقومات الحياة (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (18)ابراهيم)( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا (23) الفرقان)( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) النور).

و ختاما

نسأله تبارك وتعالى أن يكرمنا بالإسلام و بالإيمان و بالإحسان و بالعمل في سبيله تعالى و نسأله أن يغفر لنا ذنوبنا و إسرافنا في أمرنا و أن يكرمنا بشفاعة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين و آلهم و الصحابة و التابعين و آلهم ,و آتاه الوسيلة و الحمد لله رب العالمين . *
* و إلى هنا توقف القلم الفياض و القلب المخلص و العقل الحكيم و لم يتم تكملة هذا المتاب بوفاة مؤلفه رحمه الله رحمة واسعة – جزاء ما قدم للإسلام و للمسلمين من وقته و قلبه و عواطفه و كيانه كله – و نسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا به على خير مستقر رحمته بفضله سبحانه وتعالى و كرمه , وَصَلَ اللهم و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آله وصحبه و آته الوسيلة , وَسَل/ تسليما كثيرا و الحمد لله رب العالمين .

المرأة المسلمة بين حزب الله و حزب الشيطان بين صراط الله و حبائل الشيطان




بسم الله الرحمن الرحيم

1- أهمية المرأة المسلمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين وعلى جمـــــــيع الأنبياء وآلهم وآته الوسيلة والحمد لله رب العالمين وبعد:
فإلى عرينك يا أم الشهداء ياسليلة الخنساء ياحفيدة أسماء، إلى عرينك يا أم الأبطال يا مزلزلة الجـبال، إلى عرينك يامنجبة الأســــــود الركــــع السجــــــــــــــــود {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}الفتح29 ، نعم إلى عرينك إن شئت أن يعود لك ذلك كله وأن تكوني فضلا عن هذا مــــــن الحــــــــــور الـــــــــعــــــيــــــــن { وَحـــــــــــــُورٌ عِــــــينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}الواقعة22:23
حُــــــــــــورٌ مّــــــَقـــْصُــــــورَاتٌ فـــــــِي الــــــْخـــــِــيَامِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان}الرحمنِ72:73}
إلى عرينك إن شئت أن تكوني أعظم نعمة على الأجيال لاأكبر فتنة تسحق الــــــرجال (ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء) إلى عرينك إن هالك وأفزعك أن تكوني من هـؤلاء ( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم بأيديهم السياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كــــــاسيات عـــاريات مائلات مميلات لايدخلن الجنة ولايجدن ريحها...) (إن المرأة تقبل في صورة شيطان) وإني أعـــيذك بالله أن تكوني من هؤلاء.
أرأيت من أنت يابنتي؟! أنت أخطر مخلوق في هذا الوجود. فإن الله تعالى قد ائتمنك على أعز مــا فيه فأنت أمين الله تعالى على الإنسان الذي هو مقصود الحكمة الإلهية من هذا الوجود كله الذي لــم يخلق إلا له.
نــــعــم أنت الأمينة على حياته فأنت بوتقة الحياة بكل قيمها وأنت مشرقها ومنطلقها وأنت بعد ذلك إن شئت رحيقها أو صابها ونعمتها أو فتنتها وطريق سعادتها أو شقاؤها ـ وجنتها أو نارها.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ) ( فاظفر بذات الـــــــدين تربت يداك ) ( إياكم وخضراء الدِمنْ : قالوا وما خضراء الدمن يارسول الله ؟ قال: المرأة الحسنــــاء في المنبت السوء ) ( كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ).
أجل يابنتي أنت أخطر مخلوق في هذا الوجود وعلى هذا الوجود فأنت أعظم نعمة بعد الإسلام بقولــه صلى الله عليه وسلم ( ما رزق المؤمن بعد تقوى الله تعالى أفضل من زوجة صالحة إن نظر إليهـــــا سرته وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته في ماله وعرضها ) وأنت كذلك أعظم فتنة بعد الكفر بقوله صلى الله عليه وسلم ( ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء ).
إن وجودك يابنتي هو مبعث الحياة في الوجود كله بل هو الدعامة التي يقوم عليها الوجود بكل أبعــاده وأحداثه وإنجازاته إنه رصيد الحياة وعدتها في هذا الصراع الرهيب بين الخير والشر والإيمـــــــــان والكفر والحق والباطل وما يتمخض عن ذلك كله من أحداث وأحداث عبر التاريخ منذ صدر الأمــــر الإلهي الأعظم للبشرية كلها ممثلا في أول أسرة هبطت إلى هذه الدنيا {وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}البقرة36 ، نعم {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ }الحج19 ، نــــــعم {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} بدأ الصراع من هذه اللحظة بين الإنسان الذي ائتمنك الله عليه وبين الشيطــان وحزبه حتى يتحقق مصداق قوله صلى الله عليه وسلم ( ولن تزال طائفة من أمتي قائمين على الحــق يقاتلون عليه لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله و هم على ذلك ) وهكذا كان وجودك يابنتي هـو الأسلوب الذي أراد سبحانه أن يحقق به حكمته العليا في وجود الدنيا والآخرة فمن وجودك كـــــــانت الدنيا بملئها و سعتها و زينتها و فتنتها و بلائها و فنائها ـ ومن وجودك كانت الآخرة بأصالــــــتهــــــا وخـــــــلودهــــــا وشــــــدائدها وأهوالها وجنتها وجحيمها {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}الدخان38 ، {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }الانفطار19 ، أرأيت يا بنيتي إنك أخطر مخلوق في هـــــــذا الوجود وأخطر مخلوق على هذا الوجود ! فمنْ غيرك يبوء بالمسئولية العظمى عن الوجود البـــشري الذي جعله الله تعالى مقصود هذا الوجود وحكمته ومحوره وجعلك أنت مصنعه ومصدره وجوهــــره ومظهره؟! أجل يا ابنتي إن دور الأب في وجود الجنين لا يزيد فيما يبدو على وضع بذرته في لحظـة نشوة عابرة وشهوة عارمة أما ما وراء ذلك ـ أما حياة الجنين ونشأته وكيانه وشخصيته وبـــــــــــنائه وتربيته وصيغته ـ فذلك كله من ذوب حياتك أنت يا ابنتي ، أجل هو من شغاف قلبك ونبضاتــــــــــــه وعصارة كيانك وأعماقه وصدى أحاسيسك ومشاعرك وخلاصة نشاطك .
فوجودك يا ابنتي هو مدار حياة الرجل وفلكها وهو طاقتها ومعينها في كل مراحلها وأطوارها فأـــنت الأم والجدة والأخت والزوجة والبنت والخالة والعمة ـ فالرجل إما نور عينك وفلذة كبدك و إما أســير فتنتك وفتى أحلامك و إما حامي حماك و ولي نعمتك و مناط عزك و أنت بذلك كله تدفعين به إلــــــى حيث تندفعين شئت ذلك أو أبيت : أرأيت كيف أن وجودك يا ابنتي هو خضم الحياة الزاخر بكـــــــــل خصائصها وقيمها ؟! أرأيت أن مسير الوجود البشري ومصيره رهن بالقيم التي تؤمنين بها والمناهج التي تصدرين عنها ؟! أرأيت أن عرينك يا ابنتي هو مصنع الحياة ومزلزل الطغاة ومنكس الأعــــلام ومحطم الأصنام ؟!
نعم يا لبنتى هو ذلك و فوق ذلك إن كنت من عباد الـــرحمن {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَــــــــى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِـي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهــــــَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً وَمــــَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامـاً وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَـا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان63: 74 أجل { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74 تلك هــى منزلتك يا ابنتى في الإسلام و كفي بها منزلة فأنت قرة العين لعباد الرحمن و أنت دعوتهم الحبيبــــــة التى تهتف بها قلوبهم و تلهج بـها ألسنتهم { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ }الفرقان74
و أئمة المتقين و هم قادة الوجــــود و أئمة الهدى هم جميعا من صنع يديك و ذوب مشاعرك و إخراج محضك المصون وفضائل الحياة و قيمتها إنما تنبعث من عبير خدرك الأكرام.
و قصارى القول يا ابنتى أن حيـاة الوجود و قيادته و هدايته و سعادته هى رسالة عرينك العظمى إلى الحياة فما أكرمها من منزلة وما أخطرها من مهمة .
إنها المسؤولية الكاملة عن الدور الــــــرئيسى الفعال في حياة الوجود و صبغته و هدايته أسمى غاياته التى لم تخلق إلا لها {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 إنها المسؤولية الكاملة عــــن الدور الرئيسى في تحويل الكيان البشرى إلى حقائق إسلامية أو تحويل الحقائق الإسلامية إلى نمــاذج بشرية تقود الوجود بــــــــــاسم الله على طريق الله {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }الأنعام162:163 .
فما أجزل العطاء و ما أعظم الجزاء و ما أخطر المهمة التى شاء الله تعالى ألا يصطفي لها و لا يـأمن عليها مخلوقا سواك و ألا يذللها و لا يطوعها و لا يحبب أخطارها إلا لك .
لقد لمست يا ابنتى مبلغ خطورتها في ذاتها و مبلغ خطورتها في أبعادها و مبلغ خطورتها عــــــــــلى الوجود كله-و إن أعظم من ذلك و أعظم هو خطورتها البالغةفي طبيعتها التى شاء الله تبارك وتعالــى ألا يعدها إلا لك و ألا يعدك إلا لها و أن يجعل حياتك و نعيمك و سعادتك في معاناتها بل شاء سبحانـه أن يمزج بينك و بينها هذا المزاج العجيب لتكون منكما حقيقة واحدة في جوهرها ومظهرها وآثارها-.
أجل يا ابنتى إن الله الذي جعل من القلب و الجسم شخصا واحدا و جعل حياة كل منهما لا تقــــــوم إلا بحياة الآخر قد جعل من المرأة و الأمومة طبيعة واحدة أو حقيقة خالدة يقوم عليها الوجود كلــــه و إن الله الذي بوأ القلب مهمة بعث الحياة في الجسد و لم يجعله مع ذلك صالحا للقيام بمهمة اليديـــــــــن أو القدمين أو العينين قد بوأ المرأة الأم بعث الحياة في الوجود كله و لم يجعلها مع ذلك صالحة لغير تـلك المهمة و لم يجعلها صالحة بدونها .
2- المسؤولية العظمى

(إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أو ضيع) {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }الزلزلة7:8 تذكرى ذلك جيدا يا ابنتى و اعلمى أن مسؤوليتك لن تكون عن مثقــــــــال الذرة ولكنها ستكون عن كيان الوجود كله{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }الانفطار19
{ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ }المعارج11 .
إن مهمتك يا ابنتى ذات عناصر ثلاثة كل عنصر منها يجعلها أخطر مهمة في هذا الــــــــوجـــــــود :
( 1 ) فأما العنصر الأول فهى أنها تنظم الوجود كله فأنت مسؤولة عن :
1- ســـــكـينة الوجود كله {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21 .
2- و عن حـــصيلة الوجود كله {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }البقرة223 (فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة) .
3- و عن محـور الوجود كله , أجل عن ذلك الإنسان الذي من أجله خلق الله تعالى كل شئ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عـــــــــَلِيمٌ }البقرة29 {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّــــــقَـــــــــوْمٍ يَتَفَكّــَرُونَ }الجاثية13 .
4- وعن معدن الوجود كله ومحضن الوجود كـــله { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ }الزمر6 {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً }النحل78 .
5- و عن حركة الوجود كـــله { وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ}البقرة223 { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }يس12 .
6- وعـــــــــــــن غـــــــــايـــــة الــــــوجود كله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
7- و عن فطرة الوجود كلــــــه { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30
8- وعن صبغة الوجود كله كلــه {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً}البقرة138 (فأبواه يهودانه أو ينصرانه او يمجسانه) .
( 2 ) أما عنصرها الثانى الذي يجعلها في منتهى الخطورة فهو أن اصطفاءك لتلك المهمة لم يـــــكـن نتيجة اختيارك أنت حتى يكون لك أن تتهاونى فيها أو تشركى بها متى أردت و لم يكن اصطفاؤك لها هو اختيار الأغلبية الساحقة او المطلقة من الجماهير قد يصحبهم التوفيق مصدقا لقوله عز شأنه {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّه}الأنعام116 و لم يكن ذلك هو اختيار الصـــــــفـــوة الممتازة من المجتهدين أهل الحل و العقد فإنهم قد يخطئون أحيانا في اجتهاهم و إن كانوا مأجوريــــن على كل حال بل و لم يكن اصطفاؤك لهم نتيجة اختيار رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وإن كـــان لا ينطق عن الهوى ولكن اصطفاؤك لتلك المهمة يا ابنتى هو اختيار الحكيم العليم الذي خلق فـــأحسن و صـــــمــــــــم فأحكم { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}النمل88 { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50 .
فكل انحرف عن مهمتك التى اصطفاك الله لها و كل إشراك بها او تهاون في خطوة من خطواتــــــها إنما هو جحود لحكمة الله تبارك و تعالى و كفران بنعـــمته {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7 لقد كان من الممكن يــــــــا ابنتى ألا تكونى شيئا مذكورا و كان من الممكن أن تكونى أضعف حشرة في هذا الوجود و كان من الممكن أن تخلقى شوهاء أو مسلوبة العقل أو السمع أو البصر و لكن الله تبارك و تعالى خلق وصور و أحــــسن {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ }الانفطار6:8 و أي شقاء و أى خسران مبين أن تستعينى بذلك كله على تدمير هذا الــــوجود {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }يونس44 {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَــــــكـــــِنَّ أَكــْــثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }النمل73 .
و من هنا كنت أنت أعظم أسباب ابتلائه و أول مسئول عن سعادته و شقائه لقد أقام سبحانه و تعالـــى هذا الوجود على أن يكون لكل ذرة فيه :-
1- وجودها الشخصى ممثلا في كيانها الفردى وفي مركزها الذي يقوم على جاذبيتها الدائمــــــــــة و حركتها الدائمة في دورانها حول نفسها تحقيقا لذاتيتها .
2- أن يكون لها مع ذلك وجودها الاجتماعى ممثلا في تصميمها و هيئتها و مكانها إلى غير ذلك ممـا يؤهلها للتفاعل مع هذا الوجود إيجابا و سلبا تحقيقا لرسالتها في وحدته و حــــــكمته و عظمته {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }الأنعام96 .
و هكذا لم يكن الوجود الشخصى إلا دعامة للوجود الجماعى فإن شئت يا ابنتى أن تسايرى نــــواميس الوجود و قوانين الفطرة فسوف تكونين دائما في الذرى من رضوان الله تبارك وتعالى و مــــعونته و توفيقه و إلا فحسبك هذا الخسران و الضياع { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى }طه127 .
( 3 ) أما العنصر الثالث الذي يجعل مهمتك في منتهى الخطورة البالغة فهو أن الله تبارك و تعالـــــى حين استرعاك إياها لم يجعل ذلك مجرد تكليف شرعى شاق قد تنوئين به أو تعجزين عنه و لكنـــــــه سبحانه و تعالى و هو الحكيم العليم قد استرعاك إياها قدرا قبل أن يسترعيك إياها شرعـــــــــــــــــا :
1- أجل استرعاك إياها قدرا حين فطرك على استنشاق الهواء وجعل امتزاجك بها وتلهفك عليهـــــــا كامتزاج السمك بالماء ، واسترعاك إياها قدرا حين جعلها ربيع حياتك و بهجتها وإشراق أنــــــــوثتك وغايتها ـ و استرعاك إياها قدرا حين منحك هذا السلاح الذي جعل الرجل أسير فتنتك وصـــــــــــدى مشاعرك وإصبع إشارتك وعصى سحرك لتحقيق كل ما تريدين بكل سرور ونشوة وسعادة ، ثــــــــم استرعاك إياها بعد ذلك شرعا حين بين لك طبيعتها و غايتها وحجمها فأما طبيعتها يا ابنتي فهـي ذات شقين:-
أ - العطاء الكامل {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ}البقرة223 .
ب- والسكينة الكاملة مع الرحمة والمودة الدائمــة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21 .
وأما غايتها فيحددها ويوضحها هذا الحديث الشـــريف في الصحيحين، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( قال سليمان بن داود عــــليهما السلام لأطوفنَ الليلة على سبعين امرأة وفي رواية تسعين امرأة وفي رواية مائة امرأة تلد كل منهن غلاما يقاتل في سبيل الله . ) فهذا الحديث يـــا ابنتي يحدد لك غاية مهمتك العظمى ومدى ما يعود عليك من أجلها في الدنيا والآخرة ولعلنا لم نكــــن يوما أحوج إلى هذه الغاية من تلك الأيام العصيبة التي يباد فيها المسلمون يوميا بالملايين في شــــــتى البقاع على يد الثالوث الشيوعي الصليبي الصهيوني العالمي ، أما حجم هذه المهمة ومقدار هــــــــــذا العطاء فيحدده قوله سبحانه :-
1- {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}الأنفال39
2- {وَســـــَارِعُـــــواْ إلـــــــــَى مــــــَغــْفـــِرَةٍ مـــــِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}آل عمران133
فمطلوب منك يا ابنتي في الدنيا صنع الجنود الإسلامية التي تكفي لتغطية المعمورة كلها تعلم الإسـلام الأعظم وكلمته العليا ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، ومطلوب منك في الآخرة أن يكون إنجابـــك يملأ جنة عرضها السموات والأرض ، أجل عرضها السموات والأرض فهل تتصورين بعد ذلــك أن تجدي من وقتك لحظة تستطيعين فيها الاشتغال أو الالتفات إلى غير تلك المهمة التي اصطفــــــاك الله تبارك وتعالى لها وشرفك وأكرمك بفضلها ؟!! بل حسبك أن تعلمي أنك مهما كرست حياتك كلـــــــها لتلك المهمة فإنك لن تستطيعي الوفاء بها خصوصا في تلك الأيام العصيبة الحرجة ، ومن هنا اقتضت حكمة الحكيم العليم أن يحشد منكن أربع زوجات لكل رجل حتى يتم التعاون على هذا الانـجــــــــــاب والإخصاب الذي يعلي كلمة الله تبارك وتعالى ويجعل من كل منكن أمَا للشهداء وحامية لشـريعة خاتم الأنبياء ، وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام صوَر لنا في حديثه السابق منتهى ما يجب على المســـلم أن يستشعره نحو تلك المهمة الخطرة أو نحو أخطر مهمة في هذا الوجود حين تعلقت عزيمته ورجــــاؤه في الله تعالى أن يرزقه مائة ولد في ليلة واحدة لا ليتعالى بهم ولا ليستمتع بطلعتهم ولا ليزداد بهــــــم حظا في الدنيا ، ولكن ليقدمهم شهداء في سبيل الله إعلاء لكلمة الله {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِـــــثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ}الصافات 60 :61
أرأيت يا ابنتي خطر المهمة التي اصطفاك الله تعالى لها ؟
أرأيت أن إنجازها على الوجه الذي يساير مسئوليتنا عن صبغ هذا الوجود بصبغة الإسلام يتطلب مـنا أن نفجر في كل خلية أربعة روافد رئيسية فضلا عن الروافد الإضافية ـ نعم ( أربعة روافد رئيسيـة ) { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}النساء3 ، فضلا عن الروافد الإضافيــــــــــــة {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } المـــــــعـــــــــــارج29:30 ،
أجل { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } من النساء الرقيقات اللاتي وقعن في الرق وإصرارهن علـــــــــى الكفر والصد عن سبيل الله وموالاة الكافرين ، وهكذا يتفجر في كل خلية أربعة روافد رئيسية فضلا عـــــن الروافد الإضافية فبهذا يتم الحشد المطلوب لإنجاز أقدس مهمة اصطفانا الله تعالى لها بقوله عز شأنـه {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ }الحج78 ، وبيَن لنا حدودها بقوله {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}البقرة193 ، وبيَن لنا ضرورتنا إليها وأنها هي وحدها هي الطريق إلى الجنة دون سواها حـــين قال جل شأنه {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيـــــــــلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفي بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشــــــِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111 ، نــــــعـــــم { اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم } أنفسهم كلها وأموالهم جميعها ولم يفسر سبحانه وتعالى هذا الشراء للأنفس والأموال بــأنه مجرد ترديد الشهادتين باللسان وغيرهما من الأعمال أو تعذيبه بالصوم عن الطعام والـــــــشـراب أو مجرد إنفاق المال في الزكاة والحج وأنواع البر وكريم الخصال لم يفسر سبحانه وتعالى شراء الأنفس والأموال بشيء من ذلك ولا بكل ذلك ولكنه فسره تفسيرا واضحا محددا تحديد الصراط الـــــمستقيم . فسره بقوله عز شأنه { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } هذا وحْده هو الشراء الــــــــذي أراده سبحانه وسماه الإسلام { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }الأنعام162:163 ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعــــُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة208 ، هذا هو الشراء الذي وعدنا الله تعالى عليه الـجنة ، أجل { َجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ}آل عمران133 ، وجعل ذلك { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّــوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفي بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ }التوبة111 ، وليست الصلاة بكل ما فيها إلا عماد هــــذا الإسلام وليست هي مع الشهادتين والزكاة والصوم والحج إلا دعائم لهذا الإسلام أما الإسلام نفسه فهو {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم}التوبة111 ، وليست جميع الأعمال والشرائع فـــــــي الإسلام إلا ترويضا وإعدادا لتلك المهمة العظمى كما يشير إلى ذلك قوله عز شأنه {يَـــــــا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77 ، ثم قوله بعد ذلـك إعلانا لتلك المهمة العظمى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَــلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحـــج78 ، فليست المسألة مجرد حركات وأعمال ولكنها الموت والحياة {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيــُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2 ، { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعـــــــــام162 .
أخطر مسئولية في الوجود مسئوليتك عن مصير الإسلام ومصير الشيطان تلك يا ابنتي هي مسئوليتنا عن صبغ الوجود بصبغة الإسلام وإسعاده بنوره وهداه وهذا هو مكانك منها ودورك فيـــــــــــــــــها.
إن تلك المهمة التي اصطفاك الله تعالى لها واصطفاها لك ويسرك لها ومزجها بمشاعرك وأحاسيسـك جعلتك يا ابنتي أخطر مخلوق في هذا الوجود وعلى هذا الوجود .
أجل جعلتك المسئول الأول عن مصير الإسلام ومصير الشيطان ، نعم عن مصير الإسلام ومصيـــر الشيطان .
الشيطان الذي يجري من الإنسان مجرى الدم .. الشيطان الذي يتحرق ويتميز ويشتعل غيظا وحــــقدا وسعيرا على آدم وذريته منذ كان آدم سببا في تميز حقيقته وفي تبوئه شديد بطش الله تعالى وغضبـــه ونقمته ولعنته وسبب أن يكون أول مخلوق قذف بنفسه في طريق الخسران ليبوء بجمــــــــــيع أوزار العالمين {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }يوسف103 ، { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيـــــَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال42 ، نعم الشيطان .. الشيطان الذي يعلم ويؤمن بـــــأن وجوده وحياته وغايته ومهمته وكيانه – كل ذلك لا يعني في تصميمه إلا دحْر البشرية ودمارهــــــــا وسحقها وشقائها وذلك بصرفها عن هذا الإسلام الذي هو حياتها وفطرتها ونورها ورشدها وسعادتـها في الدنيا والآخرة {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }الفرقان6
{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }طه123:124 ، الشيطان الذي يعلم ذلك وأكثر من ذلك . ويعلم أن هذا الوجود كله لم يـــخلق إلا من أجل هذا الإنسان وأن الإنسان لم يخلق إلا من أجل الإسلام {وَمَا خَلَقْتُ الْجِــــــــــنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 ، وإن هذا الوجود لا بقاء له إلا ببقاء الإسلام ( لا تقوم الساعة حتى لا يقال الله الله ) نعم ويعلم كذلك أن الإسلام هو وحده حقيقة تكريم الله تعالى لنا وعبوئه سبحانه بنا وأن تكذيبنا به هو وحده سبب هلاكنا {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }الــفرقان77 ، فدعاؤه تبارك وتعالى لنا إلى هذا الإسلام هو سعادتنا في الدنيا والآخرة {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ الـــسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25 ، وإعراضنا عن دعوته هو وحده سبب هلاكنــــــــــا ودمارنا {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَــافِرِينَ أَمْثَالُهَا }محمد10 .
أجل الشيطان الذي يعلم ذلك كله ويعلم أن البشرية بدون هذا الإسلام لن تكون في الدنيا إلا شزا مــــن الدواب وأضل من الأنعام {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }الأنفال22 ،{إِنَّ شـَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنفال55 ، ولن تكون في الآخرة إلا وقودا للجحيم مــع الحجارة { فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}البقرة24 ، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّـــمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَـا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179 .
ومن هنا فقد أقسم الشيطان وأقسم بعزة الله تبارك وتعالى أن يحشد كل جهوده وجنوده وحيله وطاقاتـه لتحقيق تلك المهمة التي لم يخلق إلا لها ولا يتحرك إلا بها {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِيـنَ }ص82 ، {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعــــَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }الأعراف16:17 ، نعم { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمـــــــِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِـنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جــــــَزَاء مَّوْفُوراً وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْــــــــوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً}الإسراء62 : 64 تلك مهمة الشيطان في دوافعــــــها و طبيعتها و أبعادها و غايتها .
هو أول جندى يحرص كل الحرص على أن يحشده لإنجاز مهمته وما هو أخطر سلاح يربط بــــــــه مصيره وحياته و حركته و يعتبره أصدق ترجمة لوجوده و كيانه و طبيعته , سليه يا ابنتى و سلـــــى التاريخ معه-سليهما عن أول سلاح روع به البشرية منذ نشأتها إلى يوم القيامة – سليه كيف أغراهـــا باقتاف أول و أعظم و أبشع جريمة نكراء –كيف أشعل بين الأخوين نار العداوة والبغضاء حتى دفــع بأشقاهما إلى سفك الدماء- {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }المائدة30 سلــيه ثم سليه مرة و مرة –لماذا قتل قابيل أخاه فأصبح من الخاسرين- كيف باءت معه البشرية بـــــــهـــــذا الخسران المبين , كيف حولت هذه الجريمة حياتها إلى مجازر و مذابح و حروب طاحنة حرمتـــــــها أمنها و ضاعفت و يلها ووعرها و عصفت بكل مقاوماتها عبر تاريخها الطويل و كيف باء قابيـــــــل بلعنة ذلك كله إلى يوم القيامة (ما من نفس تقتل إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم الأول كفل مـــــن دمها لأنه أول من سن القتل) أو كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سليه يا ابنتى ثم سليـــه إن أخطر الأسلحة فتكا بالشباب و هم حصاد الإسلام و طاقته و خضراؤه و كيانه و عدته سليه عـــــــــن أخطر سلاح يفتك بالكيان البشرى كله و سحقه أجل (العينان تزنيان و زناهما النظر و اليد تزنــــى و زناها اللمس أو البطش و الأذن تزنى و زناها السمع و اللسان يزنى و زناه الكلام و القاب يتكنــــى و يشتهى...) و أخيرا فحد الزنا هو الرجم حتى يتحطم الزانى و يفارق الحياة . سليه يا ابنتى عن مبـعث الشهوات و منطلقها و عن رحيقها و سعيرها و هل توجد في الحياة كلها شهوة ليس وراءها امــــرأة .
سليه ثم سليه كيف حذر الإسلام و أنذر من خطر هذا السلاح و بطشه و سلاطته حــــــــــيـــــــــــن :
1- أعلن –صلى الله عليه وسلم- أن المرأة هى أعظم فتنة بعد الكفر بالله .
2- أن مجرد النظر إليها هو سهم من سهام إبليس المسمومة المسدد إلى مقتل الإنسان و مهلكــــــــه و موطن إيمانه نعم إلى قلبه الذي إذا فسد فسد الجسد كله و أصبح وقودا للجـــــــــــــــــــــحيــــــــــــم .
أ) و أن النساء هن حبائل الشيطان فهل رأيت يا ابنتى أن الشيطان إن لم تكن المرأة في ركــــــــابـه و جنوده يصبح محاربا بدون أى سهم في جعبته و يصبح صيادا بدون شبكة في قبضته فأى سلاح أنــت و أى طاقة لازمة لحزب الشيطان !!
ب) و لهذا فقد حرص رسول الله–صلى الله عليه وسلم-كل الحرص على أن يكون العفاف هو أقـــوى الدعائم التى تقوم عليها و تتكون فيها شخصية المسلم كما روى البخارى قـوله –صلى الله عليه وسلم-لأصحابه (بايعونى على ألا تشركوا بالله شيئا و لا تزنوا) و هكذا جاء العفـــاف بعد التوحيد و العفاف معلنا قيام البيعة الأولى على ركنين أو دعامتين أساسيتين : التوحيد و العفاف و كـــــــمــــــا جاء عن أبى سفيان في حديث هرقل الذي أخرجه الشيخان ( و يأمرنا بالصلاة و الصدق و العفاف ) و العفاف الذي يريده الإسلام و يركز عليه و يفرضه هو :
(1) العفاف الذي يحصن الكيان البشرى كله تحصينا كاملا من كل انحراف فإن كل انحراف في كـل ثغرة في هذا الحصن هى قاعدة للشيطان و صدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (العينان تزنيـان و زناهما النظر و اليد تزنى و زناها اللمس أو البطش و الأذن تزنى و زناها السمع و اللسان يزنـى و زناه الكلام و القاب يتكنى و يشتهى...) .
(2) و هو العفاف الذي يملأ القلب إيمانا و إخباتا و فرارا إلى الله تعالى (يجد حلاونه في قلبه) أو كـما قال –صلى الله عليه وسلم-.
(3)و هو العفاف الذي يملأ نفس المرأة سعادة بقرارها في عرينها حتى يكون حبها له جزءا مـــــــــن كيانها و حتى تؤمن إيمانا عمليا كاملا بأن خروج المرأة من بيتها ليس إلا رجسا و بعدا عن الطـــــهر حتى لو كانت المرأة من أمهات المؤمنين خير نساء العالمين و إن مجرد رفع الحجاب بينها و بــــــين الرجل و لو في مكالمة قصيرة هو رفع للطهر و خطر على القلب حتى و لو كان الرجل من الصحابة خير القرون و ذلك كله بشهادة رب العالمين .
سليه ثم سايه عن هذا الثالوث الذي لم يعرف التكتل الممكثف المنظم و لم يعرف التحرك السريــــــــع المبرمج إلا من أجل القضاء على الإسلام و أهل الإسلام –سليه عن نشأة و حماية كل قاعدة مــــــــن قواعده الثلاث و عن مكانة هذا السلاح منها و أثر المرأة فيها – سليه عن اليهودية بكل جرائمــــــــها و فتنها , يجبك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ( اتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كــــــــانت بالنساء) و سلسه عن الصليبية المجرمة , تجبك فرنسا بدعارتها و انحلالها و تجبك أوروبا كلهــــــــا بحضارتها ووسائل تبشيرها –ثم سليه بعد ذلك عن الشيوعية الخاسرة و سليه قبلها عن روسيـــــــــــا المجرمة فإن تاريخها سيجيبك يا ابتى بذكرى تلك اللحظة اللرههيبة التى لا يذكرها مسلم إلا هـــــزت كيانه و حطمت بنيانه - تلك اللحظة يا ابنتى و لعلك لم تسمعى بها هى لحظة مكن فيها القدر الإلهــى الأعظم الأتراك المسلم من الإحاطة التامة و الحصار المطبق للجيش الروسى كله بحيث كان مـــــــن أيسر اليسر تلك اللحظة محو روسيا القيصرية من الوجود كله و تغير وجه التاريخ و ضمان راحـــــة البشرية إلى يوم القيامة و تسألين يا ابتى و ماذا كان في تلك اللحظة و ما هو أخطر ســــــــــــــــــلاح شهرتــــــــه روسيا في تلك اللحظة متى كان ما كان و التاريخ و حده يجيبك يا ابنتى بأن السلاح الذي أنقذ روسيا المجرمة من الدمار الكامل حتى غدت مباءة لأوزار الوجود و محنه وويلاته إلى ما شـــاء الله –هذا السلاح يا ابنتى هو.. أنت .. نعم انت.. نعم أنت ممثلة في اللعينة كاترين زوجة قيصر روسيا التى قدمت نفسها للقائد التركى المجرم بلطجى باشا صب الله تعالى عليه جام غضبه و لعنته و أمثالـه إلى يوم القيامة و هكذا فاز الشيطان في أخطر معركة بلسلاح واحد أو بالسلاح الوحيد الذي يربط بــه دائما مصيره و حياته و وجوده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أرأيت يا ابنتى مدى مسؤوليتك عن مصير اللإسلام و مصير الشيطان- أرأيت كيف استطاع الشيطان في لحظة واحدة أن يدحرج بك الإسلام و أهله و يرفع بك الباطل و حزبه ؟!
أرأيت كيف اتخذ منك أول و أقوى دعامة و أعرض قاعدة لإقامة الشيوعية و الصليبية و الصهيونيــة لتبوئى معه بكل عظائم الوجود و جرائمه وويلاته و لعنته إلى يوم القيامة ؟!
أرأيت كيف يتخذون منك قاعدة الانطلاق و الانقضاض و أفتك أسلحة الدمار و الهلاك لسحق الإسلام و محو معالمه و إبادة أهله ؟
أرأيت يا ابنتى أنك أخطر مخلوق في الوجود و على هذا الوجود أرأيت أنك أنت المهد و المحـضن و أنك أنت الأرومة و المعقل و أنك أنت الشرف و العرض و الأحاسيس و المشاعر و النفس الذي يتردد في حنايا الرجل , و الدم الذي يغلى في شريانه و أخيرا فأنت العصا السحرية التى تدفع بالرجل في نشوة بالغة إلى اقتحام أعتلى المخاطر و أمنع الحصون و المعاقل .




3- تحديد النسل/عمل المرأة/الحجاب

{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطـلاق3 { إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطلاق3 .
(لن يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابــــــــــه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه)
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته :
السلام عليكم مع تباعد الديار و تجافيها و تناجى الأرواح و تلاقيهـــــا على أكرم غاية و أقوم طريق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }الأنفـال2 { وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101 وحمدا له و شكرا له على أن اصطفـاكم لدعوته و اختاركم لدينه {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }فصلـــــت33 و إذا كانت الدعوة إلى الله هى و ظيفة الأنبياء و المرسلين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين و كــــــانت الدنيا هى دار الابتلاء كما أرادها سبحانه و تعالى فإن على أصحاب الدعوات أن يوطنوا أنفسهم دائما على أنهم أعظم الناس بلاء و أكرمهم بذلا و عطاء و أصدقهم في الله تعالى أملا و رجاء و أنهم دائمـا خير قدوة للجهاد و التضحية و الصبر في مواجهة أعتى المشاكل و أعظم العقبات بكل إيمان و يقـين {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ }يونس9 { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَــــهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }التغابن11 و الحق أن كل ما يعترض المؤمن في حياته من مشاكل و عقبات هو من عظيم فضل الله تعالى عليه فإنه أولا لون من ذلك الابتلاء الذي يجزل الله تعالى به أجره و يثبت بــــه قلبه و يعلى به بين النلس شأنه { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال17 و هو ثانيا البوتقة التى حول بها الإيمان إلى سلوك راشد يهدى الحيـــاة غايتها { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }البقرة116
و يعطيهـــــــــا خير صبغتها {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }البقرة138 و حسب المؤمن بعد ذلك كله أن يستقبل مشاكله دائما بالفرار إلى الله تعالى كل الفرار و الفزع كــــــــل الفزع :
1- بالفرار أولا إلى قدره لتمتلئ نفسه يقينا بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطئه لم يكن ليصيبه و أن الخلق جميعا لو بذلوا قصارى جهدهم فلن يستطيعوا أن ينفعوه إلا قد كتبه الله عليه ( رفعت الأقلام و جفت الصحف .
2- فإذا اطمأنت نفسه إلى قدر الله تعالى و ذهب عنه كل خوف و قلق كان عليه أن يفر إلى الــــخوف من الله تعالى حتى يحسن نيته و ينأى بكل جوارحه و كل طاقاته عن مواجهة المشكلة التى تعترضــه بأى حركة لا يرضى الله تعالى عنها .
3- فإذذا فر من معصية الله تعالى كان عليه بعد ذلك أن يفر إلى قضائه أي إلى التفكير و النظر في بدائع خلق الله من قوانين فطرته التى فطر الناس عليها و من سنته الثابته التى أقام عليها هذا الــوجود ليستنبط من ذلك كل ما يستطيع أن يواجه به مشكلته من الحلول و التصرفات الممكنة .
4- أن يفر بعد ذلك إلى شرع الله تبارك و تعالى ليعرض عليه كل التصرفات و يزنها بميزانه فيلــتزم منها ما أوجبه نص أو اجتهاد و ينأى عن المحرم و المكروه و يبادر إلى المندوب ويتخير في المباح .
5- أن يفر بعد ذلك كله إلى الرضا بكل ما يأتي به القدر بعد تلك الجهود فإن كان على غير هــــــــواه فعليه أن يحتسب ذلك عند الله و أن يسترجع في مصيبته و أن يرجوه العوض و أن يشكره سبحانــــه على توفيقه للبعد عن معصية الله تعالى و للرضا بقضائه و إن كان على هواه كان عليه أن يفر مــــن حوله و قوته إلى حول الله تعالى و قوته فلا يقول { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}القصص78 ولكـــــن يقول ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) و كان عليه أن يشكره تعالى جزيل الشكر بما يسر له من خيري الدنيا و الآخرة .
هذا هو شأن المؤمن دائما يرى في كل مشكلة تعرض له محرابا للأنابة و العبادة و الفوز العظيم على حين لايجنى غير المؤمن من مشاكله إلا التمزق و الضياع و الخسران المبيـن {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ }السجدة18 وهكذا يأبى الله تبارك و تعالى إلا أن يـــكون ابتلاؤه خيراً و عافية ورحمة للمؤمنين حتى يكون المؤمن دائما جديرا بمثل قوله صلى الله عليه و سلم ( عجباً لأمـــــــــــر المؤمن إنَ أمره كله له خير, إن أصابته النعماء شكر فكان خيراً له , و إن أصابته الضراء صـــــــبر فكان خيراً له) و الحق يا أخي أن طبيعة الإسلام تأبى ثم تأبى أن تطاولها مشكلة أو تقف دونها عقـــبة فإن لبَ الإسلام و جوهره هو صدق العبودية لله رب العالمين .
1) تلك هي حقيقة الإسلام كما حددها خليل الله ابراهيم على نبينا و عليه أفضل الصلاة السلام بقولـــه { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }البقرة131 كما حددها نبيه اسماعيل على نبيـــــــنا و عليه الصلاة و السلام بقوله { َ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ }الصافات102 ثم حددها سيد الخلق صلى الله عليه و سلم و علــــــــى جميع الأنبياء و المرسلين و آلهم و الملائكة و آته الوسيلة بمثل قوله (آمنت بالله ثم استقم) و بمثل تلـك الآية التى قام بها وحدها لا يزيد عليها تركيزا لمعنى العبودية التى هى حقيقة الإسلام و جوهــره {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }المائدة118 .
2) و إذا كان صدق العبودية يعنى كمال الخضوع من العبد و كمال التصرف من المالك فكـــــيف إذا كان العبد هو المسلم و كان الملك و السيد هو أرحم الراحمين .
و الحق إن الغرب الملحد لم يستطع أن يقذفنا بتلك المشاكل التى أفسدت حياتنا واستنزفت جهودنــا إلا بعد أن مسخ في نفوسنا مفهوو العبودية لله تعالى تمهيدا لصرفنا عن الإسلام حتى يبتلعنا جملة و قــــد استطاع أن يصل إلى ذلك بتلك الحيل و الشباك التى حاكها لبعض علمائنا مثل اتلمرحوم محمد عبده . فقد أمعنوا بكل حيلهم في استثارته للدفاع عن الإسلام الذي كانوا يصفونه بالرجعية و أنه الحـضارة و الإنسانية حتى أحرجوا الشيخ و اضطروه إلى ارتكاب أعظم كبيرة خطيرة كان لها أسوأ الأثر في تشويه مفهوم الإسلام و مسخه في نفوس المسلمين تمهيدا لانسلاخهم منه. أما تلك الكبيرة الخطـــــيرة التى اضطروه إليها فهى إقدامه رحمه الله على القول بعقلانية الإسلام أى إن الإسلام هو دين العقـل و معنى ذلك أو مؤداه ألا يخضع المسلم عقله لدينه لأن ذلك في رأيه يحرم العقل حريته و سلطانه و إنما يجب أن يخضع المسلم دينه و لعقله فيكون الرب تبارك و تعالى هو الخاضع لعقل المسلم يعامله كــما يعامل أى واحد من البشر فيناقشه و يحاسبه و يسأله عن الحكمة في كل تشريع شرعه و في كل كلمـة أوحى بها إلى رسوله صلى الله عليه و سلم . فمن حق العقل مثلا أن يسأله تبارك وتعالى لماذا أبــــاح الإسلام الرق ؟ و لماذا أبيح الطلاق و تعدد الزوجات ؟ و لماذا جعل المرأة على النصف من الرجـــل في الميراث و الشهادة ؟ و لماذا لم يعطها من الحقوق مثل ما أعطى للرجل ؟ و لماذا حرم الربا بــكل أنواعه ؟ و لماذا فرض علينا جهاد الكفار و التدخل في حريتهم ؟ و لماذا و لماذا...؟ و كل تشريــــــع لاتظهر للعقل حكمته و كل نص لا يقتنع بصلاحياته يجب تعطيله بالتأويل أو التقويض إن كان قـرآناً و يجب رده و تكذيبه إن كان من السنه الصحيحة و إن أخرجها أصحاب الكتب الستة و أجمع عليـــها رجال الحديث .
و انطلاقا من هذا يجب:
1- رد جميع أحاديث المعجزات و أحاديث شق الصدر و إن كانت متواترة.
2- و يجب تأويل الآيات التى تشير إلى شئ من ذلك مـــــثل {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ }القمر1 .
3- كما يجب رد حديث المعراج أو تأويله على أنه كان مـــــجرد رؤيا منامية أو كان معراجا بالروح دون الجسد الشريف.
4- و كذلك الأحاديث التى ينفر منها طبع غير المسلم كحديث لـــعق الأصابع و الإناء و غمس الذباب إذا وقع في الطعام و حديث شرب بعض الصحابة بوله صلى الله عليه و سلم و لعقهم دمـه الشريف و دلكهم الوجه بنخامه المبارك صلى الله عليه و سلم.
5- كذلك رد الأحاديث التى تتعلق بالسمعيات و تأويل الأحاديث الواردة فيها كآيات النفخ في الصور و وزن الأعمال و آيات الصراط و الميزان و سجلات الأعمال و مواقف الحساب و كذلك الآيــــــات التى تثبت وجود الملائكة و الشياطين يجب تأويلها بأن المراد من الملائكة هى خواطر الخير في نفس الإنسان و أن المراد بالشياطين هى خواطر الشر و أنه ليس هناك كائنات موجودة تسمى بالملائـكة أو الشياطين و إن قصة آدم هى قصة مثالية أريد بها تلخيص أطوار الإنسان و ليست هى قصة واقــــعية فيما يظهر- فباتباع هذا الأسلوب في أمثال تلك النصوص يتبين في رأيه إن الإسلام هو دين العــــــقل – و لأجل أن يكون الإسلام دين الحرية و الرخاء و السلام و يجب اتباع نفس هذا الأسلوب في جمـيع الأحاديث و الآيات التى تأمر بجهاد الكفار في سبيل الله لأن ذلك الجهاد يعتبر منا في تلك الحالــــــــة تدخلا في حريتهم فيجب قصر الجهاد فقط على دفع المعتدين على الوطن كما تفعل ذلك جميع الــدول الكافرة . أما الكفار الذين لم يعتدوا على أوطاننا فيجب أن تربطنا بهم علائق الأخوة الإنسانيـــــــــة و السلام العالمى و لأجل هذا يجب تأويل الآيات التى تأمر بغير ذلك مـــثل {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }محمد35 و مثـــــــل {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحــــــَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة29 نعم يجب في نظرهم تأويل هاتين الآيتين تأويــــــــلا يعطلهما عن العمل بظاهرهما و إن كانا من آخر ما نزل في الجهـــــــاد كآية {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً }التوبة6 و آية {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه }الأنفال39 و آيـــــة { قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً}التوبة123 و كذلك يجب تأويل أو رد أمثال هــــــــذه الأحاديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقةل لا إله إلا الله.) (قاتلوا من كفر بالله ) (ادعهم إلى إحدى ثــــــــلاث ) يكون و لأجل أن الإسلام دين الحضارة يجب على الدعاة إليه أن يعنوا دائما بإبراز ما فيه من مــكارم الأخلاق و أصول الاجتماع و أوان الثقافة دون التركيز على الترغيب في الجنة و الترهيب في الــنار كل التركيز .
و هكذا ارتكز المسلمون على مدرسة محمد عبده باسم الإسلام و تحت الرغبه في الدفاع عنه إلـــــــى تأليه العقل المادى الذي تقوم عليه حضارة الغرب الإلحادية الإباحية و لقد استقبل الغرب أفكار الشـيخ محمد عبده بأروع ما يستقبل به أعظم الفتوحات و الانتصارات و أحاطه بهالة من الإجلالو الإكبار و أفاض عليه من ألقاب الإمامة و الأستاذية مما جعله في نظر الكثيرين أول عالم فهم حقائق الإسلام و جلالها للناس قوية نقية سمحة لا تعصب فيها و لا تزمت .
و مهما يكن من حسن نية الشيخ محمد عبده و عذره غى الافتتان بالحضارة الغربية و رغبته الصادقة في الدفاع عن الإسلام و نجاحه فعلا في دفع بعض الشبهات و في الرد على بعض فلاسفة الـــغرب .
مهما يكن من ذلك كله فلقد كانت آراؤه حجر الزاوية لهذا الاستعمار الفكرى الذي هو أخطر ألف مره من الاستعمار العسكرى و الذي تكتلت له الصليبية و الشيوعية و الصهيونية لصرفنا بكل حيلــهم عن مصدر قوتنا و عزتنا و لجعل حياتنا حلقة مفرغة من المشاكل لا يريدون بها مجرد تبديد طاقتــنا و لا مجرد إزكاء الصراع بين سلوكنا و فطرتنا فحسب و لكنهم يريدون بعد ذلك كله نسف الفطرة الـــــتى تهدينا ونسف الأسرة التى ترعانا و تحمينا لنبوء بقوله –صلى الله عليه وسلم- (و أبواه يهودانــــــه أو ينصرانه أو يمجسانه) ثم لنصطفي معهم بتلك الفلسفة المادية الإلحادية التى تقوم على :
1- أن الإنسان ليس هو إلا ذلك الهيكل المادى الحيوانى بكل غرائزه و شهواته .
2- و أن سعادته إنما هى في إشباع تلك الغرائز و الشهوات بأقصى ما يستطيع من متـــــعة و ترف .
3- و أن الفرصة الوحيدة لسعادته هى تلك الحياة الدنيا التى لا أمل له في سواها .
4- و أن الطريق الوحيد لتحقيق تلك السعادة و تأمينها هو الأستعانة بالعلوم المادية وحدها فعــــليه أن يبذل كل طاقاته في الاستعانة بالعلوم المادية في سبيل تحقيق تلك السعادة و تأمينها .
5- و عليه كذلك ألا يبالى في سبيل توفير تلك السعادة و تأمينها بأى قيمة إنسانية من عرض أو شرف أو أسرة أو نسل أو دين تلك هى أسلحة الدمار و البوار التى مال بها أعداؤنا علينا بعد أن غفلنا عــــن كل أسلحتنا {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَ}النـساء102
أجل { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَ}النساء102 أجل ففي مثل مشكلة تحديد النسل و عمل المرأة مثلا لو أننا ذكرنا سلاح الإيمان بقدر الله تبارك وتعالى و كفي به لتمكنت السكينة من قلوبنا ولامتلأت نـفوسنا يقينا بمثل قوله تعــــــالى {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورأَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}الشورى49:50 أجـــــــل {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}الشورى50 و قوله –صلى الله عليه وسلم- (ما كتب الله خلــق نسمة هى كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون ) (فإنما هو القدر ) (وإذا أراد الله خلق شئ لم يمنعه شـئ) و لو علمنا مع ذلك أن المرأة منذ بلوغها حتى سن اليأس حوالى 430 يويضة كل بويضة منها تمكـث في رحمها أربعا وعشرين ساعة انتظارا لتلقيح حيوان الرجل الذي يفرز في الدفعة الواحدة من المنى ما بين 300مليون و 400مليون حيوان منوى و هو ما يمكن أن تحمل به 400مليون امرأة و أن كـل بويضة من تلك البويضات و كل حيوان منوى من تلك الحيوانات تحمل من الصفات و الاستعـــدادات الجسدية و العقلية و النفسية و الخلقية الوراثية ما يتميز به كل جنين عن غيره و أنه مع كل تلـــــــك الكثرة الهائلة العجيبة فإننا نرى كثيرا من الرجال و النساء يتصلون مئات المرات دون أن يحــــــصل التناسل بل إن الكثير من الآباء و الأمهات يقضون حياتهم كلها في عقم تام و إخفاق كامل في اتخــــاذ أى وسيلة للإنجاب , و لو تأملنا ذلك حقا لأدركنا يقينا أن هذه كلها صفعات من القدر لتحطيم غـــرور الإنسان حتى يعود إلى ربه و يعلم أنه تعالى وحده الذي يعين ساعة الحمل و هو الذي يختار الحيـوان الخاص من ملايين حيوانات الرجال و يختار الويضة الخاصة من مئات بويضات المرأة ليندمجـــــــا فيكون منهما الجنين على الصفات الخاصة التى سبق به علمه تعالى و إرادته و قـــدره {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِـــــــــــــكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطلاق3 ولأدركنا نتيجة لذلك كله أن مجرد التفكير في تححديد النسل أو عمل المرأة لــيس إلا غفلة عن القدر إن لم يكن جهلا به و تطاولا عليه و معاندة لــــــه { وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال13 و لكن علينا أن نبادر بالفرار إلى سلاح الخوف من الله تعالى و أن نأتى ما لـــــــم يأذن به الله (لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها و أجلها فاتقوا الله و أجمعوا في الطلب فإن ما عنــــد الله لا ينال بمعصيته ) أجل (فإن ما عند الله لا ينال بمعصيته) و لكن غفلنا عن كل أسلحتنا فمالـــــــوا علينا ميلة واحدة .
و لو أننا فررنا بعد ذلك إلى قضائه تعالى و نظامه في خلقه لنستوحى بعض ما فيه من عبر و آيــــات في خلق الإنسان و حكمته و مدى فضل الله تبارك و تعالى عليه لأدركنا أن هذا الإنسان الذي يحــاول أعداؤنا جاهدين دفعنا بكل وسائلهم و حيلهم إلى أن نبوء بإثم تعطيل نسله إلى تسخيره في سبيل حطام من الدنيا , لرأينا :
1- أن ذلك النوع الإنسانى وحده هو مقصود العنلية الإلهية العليا من هذا الوجود كله .
2- و أن الله تعالى لم يبوئه تلك المنزلة بسبب هذا الهيكل الحيوانى المادى و لكن بسبب تلك النفخـــــة الربانية العظمى التى فطره بها على التوحيد فأععده بذلك للسعادة الأبدية التى لم يخلق إلا لــــها {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 .
3- و أنه بسبب تلك الفطرة وحدها أسجد الله تعالى له ملائكته الأكـــرمين {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر29 .
4- وطرد إبليس من رحمته وباء دائما بلعنته حين {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }الحجر31.
5- و بسبب تلك الفطرة و حدها أكرمه سبحانه بهذا الإسلام الذي رضيه له دينا و الذي لا يعتبـــــــــر مجرد ملائم للفطرة فحسب و لكنه هو حياتها ورواؤها و أصدق معبر عن عن خصائصها و أعظــــم محقق لسعادتهــا {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }الفرقان6 {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14 هو أول نبضة في حياتـــها {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِـــــــــــينَ }الأعراف172 و هو ملاذهم في كل شدة و موكلها في كـــــــــــل كـــرب { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }النحل53 { تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ }الأنعام63:64 و هو شعارها ما بـــــــــقى في الوجود { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }البقرة116 { وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الزمر75 .
6- و من أجل تلك الفطرة و هذا الإسلام اختار سبحانه هذا النوع الإنسانى ليكـــون سيد الوجود كله و سخر كل كائن فيه لخدمته حتى عدوه الشيطان فإن جهاده له هو الطريق إلى الجنة حتـــــى جهنم التى يستعيذ منها فإن خوفه منها هو وحده سبب اتقائه شهواته – حتى الملائكة الكرام فإنهم يهـــــــــــدونه بالوحى {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ }الحج75 و يبشرونه بالنــصر {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم }آل عمران126 و يواسونه في الــــــــــشدة {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }الأنبياء103 .
7- تميزه من بين الموجودات بشرف التلقى عنه سبحانه و فهم خطابه و إرسال رسله صــــــلوات الله وسلامه عليهم أجمعين و إنزال كتبه و بمسئولياته عن جميع أعماله و عن تصرفاته و علاقته حــــيال جميع الموجودات .
8- منحه جميع الطاقات التى تؤهله لجميع صلاحياته و النهوض بمسئولياته .
9- إسكانه تلك الحياة الدنيا إلى حين لا مجرد الحياة فيها أو الاستمتاع بطيباتــــــــها و شهواتها و لكن لتكون مجال ابتلائه بالمفاضلة بين إيثارها و الركون إليها و بين التضحية بها كلـــــــها أو بالكثير من طيباتها في سبيل نهوضه بتكاليفه لرفع منار الإسلام و صبغ الحياة به و جهاد أعدائه لانضــواء تحت لوائه {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}الأنفال39 {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السّـــــــَلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }محمد35 {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء104 .
10- إمداده بجميع الطاقات و الوسائل الازمة لاستمرار تكاثره و بقائهلدوام الصراع بين الإســــلام و الكفر حتى تقوم الساعة {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْــضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }البقرة36 {وَيــــــَوْمَ تــــَقُـــومُ السَّـــــــاعَــــــةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ }الروم14 (لا يزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق يقاتلون عليه لا يضرهم من خـالفهم حـــــــتى يأتى أمر الله و هم على ذلك) أو كما قال-صلى الله عليه وسلم-.

4- وسائل بقاء النوع الانساني و تكاثره

و من تلك الوسائل التى تكفل بقاء النوع الإنسانى و تكاثره :
1- إمداد الله تعالى له بغريزة حب الحياة و التشبث بها حتى آخر رمــــــــــق مـــــنـــــــــه {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ}القيامة28 .
2- إمداده بما يحفظ حياته وينميها من الطعام والشراب و الهواء واللباس و المأوى ومنحه الــــطاقات اللازمة للإفادة من ذلك كله فيما يعود عليه وعلى نوعه بالحياة الكاملة السعيدة .
3- خلقه ذكرا وأنثى وأمد كل منهما بغريزة الوالدية وبالغريزة الجنسية المشبوبة العارمة المســـعورة لتدفع كلا منهما بمنتهى صرامتها وعنفها إلى اجتياز كل عقبة وتجشم كل تضحية في سبيل قيـــــــــام الأسرة بالتزاوج والتناسل والتربية فليست الجاذبية واللذة المتبادلة بين الذكر والأنثى إلا أمرا قدريــــا منه تعالى رحمة بهما ليندفعا تلقائيا لتحقيق سعادتهما في الدنيا والآخرة فهي بمثابة الأجر العاجل لهما في الدنيا لقيامهما بخدمة النوع فضلا عن الأجر الجزيل في الآخرة ما داما يبتغيان وجه الله تـــــبارك وتعالى في طلب الولد الصالح وتربيته على منهجه القويم ( أو ولد صالح يدعو له ).
4- إمداد كل منهما بالغدد التناسلية التي هي أعظم وقود للغريزة الجنسية فضلا عما لها من الآثــــــار الخطيرة البالغة في حياة كل منهما فإن الغدد التناسلية هي مصدر الحس والجمال والنضارة والطراوة والذكاء والحركة والنشاط لما ينشأ عنها من ماء الحياة وإن سن التناسل والإنجاب هو سن الفــــــــتوة والشباب حتى إذا ضعفت غدد التناسل عن الإفراز كان ذلك إيذانا بالشيخوخة والاضمحلال وإن مـبدأ نضوج المرأة إنما يكون بظهور الطمث الذي يعدها للحمل فإن التغيرات التي تحدث في جسدها عــند البلوغ لا تحدث كلها أي لغاية التناسل ولا تدور عليها العادة الشهرية في كل شهر إلا لتعدها لوظيفـــة الحمل وعندما تستقر النطفة في رحمها تتحول حياتها تقريبا لخدمة الجنين ومن هنا ينشأ في فطرتهـــا الحب والإيثار والتضحية أكثر من الرجل وتظل حياة المرأة مسخَرة لخدمة الجنين حتى بعد الوضـــع حيث تجذب غدد الرضاعة من دمها أحسن أجزائه فضلا عن تركيز كل مشاعرها في نومها ويقظتـها لحماية الطفل حتى إذا بلغ الفطام تهيأت لحمل آخر بنفس الحال وهكذا دواليك حتى تبلغ سن اليـــــأس فعند ذلك تودع الحسن والجمال وتتجشم الهموم والآلام حتى تودع الحياة بعد أن أدت رسالتها لخدمــة النوع وهكذا كانت أسعد أيامها هي الأيام التي تعيشها لمصلحة النوع فكأن جسدها لم يخلق إلا للحـمل والولادة فهي في أشد الحاجة إلى الإنجاب لحماية جسدها من الاضمحلال فضلا عن تمتعها بالأمومـة التي تجد فيها أعظم سعادة فكل امرأة تمنع نفسها عن الحمل تنتهي فيها كل دورة للعادة الشهرية بيأس كل أعضائها التي كانت قد أعدت للحمل في تلك الدورة هذا فضلا عن تعرضها لشتى الأمــــــــراض الجسمانية والعصبية وهبوط العلاقة بين الزوجين إلى العلاقة البهيمية .
5- بأنه تعالى هيأ كلا من الرجل والمرأة للعمل الذي يناسب استعداد كل منهما لينهض به على أحسن وجه وأكمله ضمانا لسلامة الأسرة وسعادتها.
ومنشأ ذلك أن الإنسان لما كان هو وحده الذي يتحمل شرف المسئولية وعبأها عن جميع الموجــودات التي خلقها الله تعالى من أجله وسخَرها له كان من الضروري حتما أن يحتاج الطفل الإنســـــــــان أو الإنسان الطفل إلى فترة كبيرة جدا لتربيته وتنشئته حتى يستطيع النهوض بمسئولياته إذا صار رجــلا - وكان من الضروري الحتمي كذلك أن يقوم على تربية الطفل المباشرة في تلك الفترة الطويلة أقــدر أعضاء الأسرة على التأثر به والتأثير فيه – وذلك لا يتوافر إلا للأم فإنها وحدها هي القادرة بصــــنع الله تعالى على بلورة أحاسيسه وتجسيمها وترجمة مشاعره وإشباعها فهي التي تغذيه بدمها وترضـعه ذوب حياتها وهى التىلا تستقبل متاعبها في سبيل راحته كما يستقبلها الرجل بالصبر و الاحتـــمال و لكنها تستقبلها بمنتهى السعادة و الشوق و الـــدلال { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }النمل88 { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50 و لما كان قيام المرأة بتلك التربية على أكمل وجه فـضلا عن متاعب الحمل و الوضع و شِون البيت لما كان ذلك كله يستنفذ كل طاقاتها و يضطرها حتما إلــى ملازمة بيتها و يحول بينها و بين مجرد التفكير في كسب رزقها فإن الحكيم العليم قد هيأ الرجـــــــل بحكمته و دفعه برحمته لحب العمل و الكد في سبيل كسب الرزق و هيأه كذلك بمقتضى فطرتــــــــــه السليمة المستحكمة القويمة و بما أودع في المرأة من الجاذبية و الفتنة إلى أن يسعى هو مهرولا إلــى المرأة ببابها بكل طاقاته و إمكانياته و رجولته يسترضيها و يخطب ودها و يعرض نفسه عليهــــــا و يتوسل إليها بكل ما يستطيع أن تنظر إليه و أن تقبله زوجا لها و حاميا لعرضها و كاسبا لقوتـــــــها و قوت أولادها وزعيما و كفيلا بكل ما تهفو إليه نفسها من متعة أو تحلم به من سعادة .
و هكذا كله من الحكيم العليم إعزازا للمرأة و إكراما لها و حماية و تقديرا لأنوثتها و لدورها الذي أعدها سبحانه له حتى لا يشعر الرجل يوما بأى منة له عليها حيث لا تشاركه العمل خارج البيـــــــت فأراد الحكيم العليم أن يضفي عليها من الجاذبية و التمنع و الدلال و غير ذلك من الأسلحة الفعالة مـــا يأسر قلب الرجل و يدفعه إلى أن يلوذ بها و يبذل في سخاء و نشوة كل ما تطلب من صداق و متعة و نفقة و يدفعه كذلك إلى أن تتملكه الغيرة عليها و أن يرى كل سعادته في صيانتها و الاستئثار بـــــها و ملازمتها بيته مهما كلفه ذلك من جهد { ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }الأنعام96 نعـــــــــم { ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }الأنعام96 و هكذا شاء سبحانه أن يكون مكان المرأةمن الأسرة هو مكان القلب مــــــن الجسم لا يستطيع إمداد كل خلية منه بالحياة و الطاقة إلا إذا كان في أمنع حصونه بين حنايا الضــلوع و إذا كان سبحانه قد جعل آدم نبيا عليه الصلاة والسلام أبا للبشرية فقد جعل المرأة أرومة الأســـرة و قوامها و مادتها و جعل الرجل عصارة حياتها فمن صميم جسمها تكونت بنيته و بين أحشائهـــــــــا و شغاف قلبها بدأت نشأته و رحلته و من وحدة وجدانها و عمق إحساسها تكونت شخصيته ليكون بـــعد ذلك حامى عرضها و كاسب رزقها و متعة عواطفها ورغباتها في كل أطوارها أما و بنتا وزوجــة و قد هيأه تبارك وتعالى بكل الطاقات ليدفعه إلى تحقيق كل تلك المقاصد التى لا حياة للأسرة إلا بهـــا و ذلك بما فطره سبحانه من :
1- شدة جاذبيته إليها .
2- و فرط غيرته عليها .
3- حرصه على متعتها و سعادتها .
4- و تذرعه في سبيل ذلك بالمثابرة في السعى و الجد و التنقيب و الاختراع .
5- و بما أودعه تبارك و تعالى في الأرض من أقوات و لا يستطيع البشر مهما تكاثر عددهــــــــم أن يستنفذوا بعضها فضلا عن جميعها حاشا للحكيم الـــــعليم {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ }فصلت10 أما أنواع تلك البركات و مقدار تــــــــــلك الأقوات فيشير إليــــــــه عز شأنه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة168 فإنه نداء للناس جميعا من يوم آدم إلى يوم القيامة و هو تعالى أعلم بهك وبكل حاجاتهم ضروريها و كمالها – نداء لهم جميعا أن يأكلوا مما أودعه الله تعالى أى مـن بعض ما أودعه في الأرض من بركات و أقوات و أنهم مهما أكلوا و تمتعوا فلن يستنفذوا بعض مــــا في الأرض بشهادة الحكيم العليم {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50 فكل مــــــــا يصيب الناس بعد ذلك من عوز أو فقر أو ضياع فليس سببه نقص ما في الأرض عن كفايتهم و لـــكن سببه شئ واحد هو اتباع خطوات الشيطان باإعرض عن منهج الله تبارك و تـــــعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }طه124 {وَلَوْ أَنَّ أَهــــــــْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِـــــــمـــــــَا كـــــــَانـــــــــــُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96 إنه لم تمر باإنسان مرحلة من تاريخه الطويل إلا و هو يجد من وسائل العيـش ما يفي بضرورياته و كماليته التى قدرها له سبحانه قبل وجوده دون أن يكون للإنسان أى دخل فيـــها إلا بما منحه الله تعالى من ملكات البحث و الاكتشاف لما أودعه الله تعالى في الكون من خــــــيرات .
ولقد توقع وليم كروكس سنة 1898م نضوب القمح و غيره من وسائل المعيشة بعد ثلاثين سنة فكانت صفعة له من القدر أن تضاعفت كميات الطعام و القمح بصفة خاصة حتى هددت الأسواق بالكســاد و حتى أحرقت أمريكا و الأرجنتين منه كميات هائلة .
6- إن التاريخ يأبى دائما إلا أن يصفع أمثال هؤلاء بتلك الحقيقة الفطرية البديهية الراسخة {أَلَا يَعــْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14 {وَإِن مِّــــــــن شَـــــيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلـــُومٍ }الحجر21 إن القدر الإلهية تأبى إلا أن تفاجئ الإنسان دائما بخزائن من الرزق غير محـحدة لم يـــكن ليتوقعها أو تخطر بباله فمن كان يخطر بباله مثلا أن الخار سيفتح له ميادين واسعة للرزق و المـعاش في النصف الثانى من القرن الثامن عشر و أن البترول سيحدث انقلابا هائلا في عالــــــــــــم الاقتصاد بـــعد القرن التاسع عشر و أن الكهرباء ستحقق له ما لم يكن يتخيله بعد قرن و نصف و أن الذرة ستحقق له ما لا يمكن يقاس إليه ذلك كله و قد تمت كل تلك الحقلئق المذهلة في قرنين اثنين فقط { وَمَا كُنَّا عَــنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ }المؤمنون17 إن زيادة السكان هى أعظم باعث يدفع الإنســـــــــان و يرغمه على بذل كــــل طاقاته للاكتشاف و الاختراع و استغلال تحت الثرى و قاع البحار وأجــــواز الفضاء لتحصيل الـــرزق له و لذريته من بركات الله تعالى التى أودعها سبحانه وتعالى هذا الوجـــود فضلا عما يترتب عـــــــلى كثرة السكان من توفير الأيدى العاملة التى تيســـــر له تلك الجهود {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }النمل73 أجـــــــــــــــــــــل { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }النمل73 و كيف يكون من الشاكرين من يشك أو يتردد بعد هذا كله في أن جريمــــــــة تحديد النسل و عمل المرأة هى من أفتك الأسلحة التى مال علينا بها أعداؤنا بعد أن غفلنا عـــــــــــــن أسلحتنا و أن هذه الجريمة في ميزان قضائه تعالى وقدره ليست إلا سوء ظن بالله تبارك وتعالـــــى و جــــــحودا لفضله وكفرانالنعمه و تعطيلا لسننه و إهدارا لقيمة النوع الإنساني الذي هو مقـــــــصود العناية الإلهية من هذا الوجود كله و حسبها أنها طاعة لأمر أعدى أعدائه الشيطان الذي أقسم علــيه و حشد له كل طاقاته لإضلال الإنسان و خـــسرانه {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ}النساء119 أجــل { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً }النســـــــــــــــــاء119 {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }النساء120 {أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً }النساء121فإن الــمراد بتغيير خلق الله تعالى استعمال أى شئ من مخلوقاته لغير ما خلقه الله تعالى له أو استعمالهعلى وجــه يضيع به الحكمة المقصودة من خلقه.فكل انحراف عنقوانين الفطرة و كل تعطيل لأى موهبة أو نعمـــــة من نعم الله تبارك و تعالى هو من تغيير خلق تنفيذا لأمر الشيطــــــــــــان { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }فاطر6 فإذا تحاكمنا بعد ذلك إلى شرع الله تبارك و تعالى بعد أن تحاكمنا إلـــــــــى قضائه و قدره وجدنا من الشرع كل تأييد و تأمين و إشباع لقوانين الفطرة الــــقوية { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30 فنجــــــد :
أ- أن الإسلام قد أشبع الفطرة بتشريع الزواج بلبطلبه و الحث عليهو الدعوة إليه و اعتباره من أعظــم نعم الله تبارك و تعالى على المسلم بعد تقوى الله تعالى ( ما رزق المؤمن بعد تقوى الله تعالى أفــضل من زوجة صالحة ..).
ب- وحدد للزواج غرضين اثنين :-
1- تــكــــويــــــن الأسرة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحـْمَةً َ }الروم21 فجعل اتلمرأة هى الأصل لأنها مادة الأسرة و أرومتها و جعل الرجل هو الـــذي يأوى إليها.
2- استمرار النسل لضمان بقاء النوع الإنسانى حتى تقوم الــــساعة {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ }البقرة223 .
فقوله تعالى: { حَرْثٌ لَّكُمْ }البقرة223 هو تحديد لمقصد الإسـلام من الزواج و قوله: { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ }البقرة223 هو تذكير وإرشاد لما يجب أن تكون عليه نية الزوجــــــين كلما تلاقيا وقوله: { وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ }البقرة223 هو تذكير للزوجين بما سوف يعود عليهما من فـــضل الله تعالى من هذا الحرث وقد بين صلى الله عليه وسلم مجال هذا الخير في الدنيا والآخرة حين بيـــــن ما يعود على الأبوين من نعم الله تعالى في ذلك فإن الولد مادام حيا فللأبوين أجر تربيته والإنفاق علــيه ولهما بعد ذلك بره حين يصير رجلا ولهما دعاؤه واستغفاره لهما بهد موتهما , أما إن مات الولد فـي حياتهما فصبرا واحتسبا فحسبهما عوض الله تبارك وتعالى في الدنيا وحسبهما أن يبني سبحانه وتعالــــى لهما قصرا في الجنة يسمى قصر الحمد كما جاء ذلك كله في السنة المطهرة وقد يشير إلى ذلكقول نـــــوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً }نوح10 {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَـــــــنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }نوح12 .
جـ - وتأكيدا لحصر الزواج في هذين المقصدين :-
1- حرم صلى الله عليه وسلم زواج المتعة الذي لم يكن يقصد منه الحرث ولا السكن وإنما كان يــراد منه مجرد قضاء الوطر. فقد حرم في فتح مكة أو في خيبر إلى يوم القيامة .
2- أما العزل فإنه صلى الله عليه وسلم لفت نظر الصحابة أولا إلى عدم فائدته وأن ذلك مـــــــــــــــن ضرورات الإيمان بالقدر وتركهمم بعد ذلك فترة يعزلون عن الإماء في الحروب والغزوات ثم بيــــن لهم بعد ذلك أنه هو الوأد الخفي وقرأ {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ }التكوير8 فقد روى مسلم في صحيحـــه تلك الأحاديث عن العزل :-
1- قال أبو سعد الخدري رضي الله عنه : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غــــــــــــــــزوة ببلمصطلق أي بني المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا الغربة ورغبنا في الفداء فأردنـــــا أن نستمتع ونعزل فقلنا (نفعل) أو (أنفعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله؟ فسألنــــا رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا عليكم أن تفعلوا – ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة ) وفي رواية (فإنما هو القدر) قال الحسن رضي الله تعالى عنه (والله لكأن هذا زجــــر) وفي رواية (ولم يفعل ذلك أحدكم ؟) (فإنه ليست نفس مخلوقة إلا والله خالقها).
2- وعن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت (حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يــــــــــضر أولادهم ذلك شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ذلك الوأد الخفي) وقـرأ: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ }التكوير8 .
فنرى من هذه الأحاديث أن العزل قد مر بمرحلتين :-
1- مرحلة كراهيته صلى الله عليه وسلم وتعريضه بالنهى عنه ولفت الأنظار إلى عـــــــــــدم فائدته .
2- مرحلة اعتباره وأدا خفيا وإعطائه حكم الوأد في التحريم كما يشير إلى ذلك قراءتــــــــــــه {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ }التكوير8 فيكون هذا نصا في تحريمه نكاح المتعة و على هذا يتحدد حصر الـزواج في المقصدين السابقين فقط و هما السكن و الحرث.
د- كما حرم سبحانه قتل الأولاد خشية الفقر و إذا كان صلى الله عليه و سلم قد جعل العزل وأدا خــفيا فإنه يلزم من ذلك اعتبار تحديدالنسل عن طريق العزل أو غيره قتلا للأولاد مـــــــادام صلى الله عليه وسلم قد جعل قوله تعالى {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ }التكوير8 شاملا للعزل و هو منع حــــــدوث الحمل فكيف بإجهاضه بعد حدوثه أو بعد تخلقه فضلا عن ذلك فإن قوله تعــــــــــــالى {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَـــــــــــــــــا كَـــــــــانـــُواْ مُهْتَدِينَ }الأنعام140 يفيد أن للخسارة سببين اثنين كل منهما كبيرة من الكبائر , أحدهما : قتل الأولاد و ثانيهما : أنهم حرموا على أنفسهم ما زرقهم الله تعالى من خيره و فضله فإن كلمة ( رزق ) فـــــــي اللغة ليست قاصرة على ما يأكله الإنسان أو يتناوله و لكنها تشمل كل نعمة التناسل و الإنجــــــــاب و حيث أنه سبحانه قد قرن تحريمهم على أنفسهم رزق الله تعالى بقتلهم الأولاد فإن ذلك يدل علـــــى أن المراد بالرزق هنا هو ما حرموه على أنفسهم من الذرية التى هى امتداد لهم و هى خير ما يــــحرص عليه عباد الرحمن {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74 {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي}إبراهيم40 {رَبِّ هَـبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء }آل عمران38 .
هذا و أن تحديد النسل أو تنظيمه خشية الفقر هو جريمة مزدوجة تتضمن عدة جرائم فإنه يدعو فضلا عن جريمة قتل الأولاد يتضمن :-
1- التكذيب بالقدر في مثل قوله صلى الله عليه و سلم ( فإن الله كتب من هو خــالق إلى يوم القيامة )و قوله صلى الله عليه و سلم في حديث تكوين الجنين ( ثم يؤمر بكتب رزقه و أجلـــه و شقى أم سعيد ).
2- كما يتضمن نسبة الكذب إليه تبارك وتعالى فيما أخبر به عما أودعه في الأرض من البركات التى يفي بعضها بأرزاق الناس أجمعين و أن الرزق إنما هو مرتبط بمشيئته تعالى وحدها { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ}الرعد26 و أنه يرزق المؤمن من حيث لا يحتـــــــــــسب { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }الطلاق2 {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }الطلاق3 { قَالَ يَا مــَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا ؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ }آل عمران37 لأن مشيئته تعالى قد ربطت الرزق بالإيمـــان و التقوى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}الأعراف96 ولــم يشأ سبحانه ربط الرزق بالعلوم المادية كما يرى أمثال قــــــارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً}القصص78 فإن المادة و قوانينها هـــــــى كغيرها خاضعة لمشيئته تبارك و تعالى و لو شاء لسلبها كل خصائصــــــهــــــــــا {لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً }الواقعة65 {لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ }الواقعة70 {قُلْنَا يَا نَـــــــــارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69 .
3- أنه يتضمن الغفلة عن الآخرة و الركون الكامل إلى الدنيا وحدهـــــا {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ }النمل4 و من هنا يتبين الحكمة في انتظـــــــام تلك الجريمة مع جريمة الشرك بالله تبارك و تعالى و جريمة الزنا في الآيات من سورة الأنعام و الإســـــراء و في قوله صلى الله عليه و سلم و قد سئل ( أى الذنب أعظم ؟) فقال ( أن تجعل لله ندا و هو خلـــقك , و أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ).
ه- أنه راعى حماية الفطرة في كل من المرأة و الرجل فأمرها بملازمة بيتها و بإســدال الحجاب على وجهها لأن عدم قرارها في البيت إفساد لفطرتها و هدم لوظيفة الأمومة التى لم تخلـــــق إلا لها و لأن في رفع الحجاب عن وجها و هو مجمع محاسنها و أخطر أسلحتها و فتنتها في رفع الـــــحجاب عنها أخطر فتنة مدمرة يخشى منها حتى على أمهات المؤمنين و هن بين الصحابة رضى الله تــعالى عليهم أجمعين . فإن قوله تعالى { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ }الأحزاب53 ليــــس خاصا بأمهات المؤمنين و لكنه عام بالنص لجميع النساء المسلمات بدليل قوله تعالى عقب هذه الآيــة {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِـــنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }الأحزاب55 فإنه إذن منه تعالــى للنساء في رفع الحجاب بينهن و بين آبائهن و أبنائهن.. و معلوم بلإجماع أن أمهات المؤمنيــــــــــــن رضوان الله تعالى عليهن لم يكن لهن أبناء يقينا فدل هذا على أن الأمر بالتزام الحجاب و الإذن في رفعه مع المحارم هو موجه لجميع المسلمات و ليس خاصا بأمهات المؤمنين .
و على فرض أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فإن قوله تعالـــــــــى { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ }الأحزاب53 يدل صراحة على أن رفع الحجاب ليس بأطهر لقلوب أمهات المؤمنين و ليس بأطهر لقلوب الصحابة أجمعين . فهل يمكن بعد هذا أن يكون رفع الحجاب أطهر لقــلوب عامة الناس و عامة الرجال ؟
حاشا ثم حاشا . إن هذا يدل قطعا على أن جميع المسلمات مأمورات بالحجاب لأن أمهات المؤمنين قد أمرهن الله تعالى به و هن خير نساء العالمين و هن يعشن بين الصحابة و هم خير القرون و قد رفعـه عنهن رجسا و غير طهر لقوبهم و قلوبهن فإذا كان في رفعه طريق للشيطان إلى قلوب إلى قلــــــوب خير النساء و إلى قلوب خير الرجال فماذا ينتظر من رفعه بين عموم المسلمات و المسلميــــــــــــن ؟ و الأمر كذلك في قوله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى }الأحزاب33 فـلنا أن نقول إن هذا الخطاب ليس خاصا بأمهات المؤمنين و لكنها عامة للمسلمات إجماعا فيكون الأمــــر بملازمة البيوت موجها كذلك لجميع المسلمات نصا – و لنا أن نقول إن قوله تعالــــــــــى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى }الأحزاب33 لأمهات المؤمنين و أن جميع المـــسلــــمــات مأمورات به بالطريق الأول لأن :-
1- أمهات المؤمنين قدوة لجميع النساء .
2- و لأن خروجهن من البيت لم يكن يترتب عليه معشار معشار ما في خروج غيرهن من الفتـــــــن خصوصا و قد كن يعشن بين الصحابة خير القرون و لا يستطيع أحد منهم أن يخطر بباله أى مسـاس بهن أو تعرض لهن .
3- و لأن قوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33 دليل على أن خروج المرأة من البيت كاشفة وجهها الفاتن بطبعه هو من الرجس حتى و إن كانت تلك المرأة من أمهات المؤمنين حتى و إن كانت تسير بين الصحابة خير القرون .
4- و لأان المرأة هى أخطر ابتلاء في حياة الإنسان لأن الفطرة قد تنفر و تنفر من جميع الــشرور و الآثام و تكون عونا لإنسان على اجتنلب تلك الشرور و لكنها تعجز كل العجز عن مقاومة الغـــــريزة الجنسية إلا إذا دفعها إلى ذلك أمر الله تبارك وتعالى و إيمانا برقابته وانتقامه .
5- ما رواه مسلم في صحيحه من قوله –صلى الله عليه وسلم - (إياكم و الدخول على الــــنـــســـاء ! فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال الحمو الموت ) و الحمو هو أخ الـــــزوج وما شابهه من أقاربه .
فإن هذا يدل على منع النظر إلى وجه المرأة عموما حتى من أقارب زوجـها لأنه صلى الله عليه وسلم لو كان يعلم أن وجه المرأة من غير أمهات المؤمنين لايجب ستره لأباح لأقــــــــارب زوجها الدخول عليها و أمرها أن تستتر بينهم ماعدا وجهها تيسيرا عليها و عليكم لكنه صلى الله عليه وسلم منـــــعهم جميعا من الدخول عليها منعا كاملا و لو كانوا أقارب زوجها و شبه دخولهم عليها بالموت الذي هــو أعظم مصيبة قد تدهم الإنسان من حيث لا يحتسب .
6- ماورد عن أم سلمة رضى الله تعالى عنها قالت (لما نزلت آية الحجاب خرج نساء الأنصـــار كأن على رؤسهن الغربان لسترهن وجوههن..) فقولها : نساء الأنصار , دليل على أن آية الحجاب عامة لجميع النساء و مثلها آية القرار و البقاء في البيوت من باب أولى .
7- ما ورد أن سبب إجلاء يهود بنى قينقاع أنهم راودوا امرأة مسلمة على كشف وجهها فأبت – فلـــو كان كشف الوجه جائزا لغير أمهات المؤمنين لأقر النبى –صلى الله عليه وسلم- تلك المرأة على ذلـك خصوصا و قد تسببت بامتناعها عن كشف وجهها في إثارة الحرب بين اليهود و المسلميــــــــــــــن .
8- قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِســــَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }الأحزاب59 (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن ييغطين وجوههن من فوق رؤسهن بالجلابيب و يبدين عينا واحدة ) .
9- ونهيه صلى الله عليه وسلم المرأة المحرمة عن ستر وجهها بالنقاب صريح في أن العــــــــــــرف الإسلامى المتبع هو ستر جميع النساء وجوههن منذ نزول هذه الآية و قد استمر ذلك هو المتبــــــع و المعروف حتى القرن الثامن الهجرى .
10- و قد ورد عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنهن كن يسترن وجوههن وهن في حال الإحـرام إذا مر بهن رجال أجانب حتى يجاوزوهن و قد أقرهن صلى الله عليه وسلم على ذلك فلو كان كشــــــف الوجه جائزا أو كان عرفا متبعا لما سارعن إلى ستره وهن في حالة الإحرام عند مرور الأجانب مــع نهيه صلى الله عليه وسلم لهنعن ستره في حالة الإحرام و لم يكن ذلك الستر قاصرا على أمهــــــات المؤمنين بل كان عاما لجميع النساء . فقد أخرج مالك رضى الله تعالى عنه في كتاب الموطأ عـــــــن فاطمة بنت المنذر قالت (كنا نخمر وجوهنا و نحن محرمات و نحن مع أسماء بنت أبى بكر فلا تنكره علينا ).
11- إن بدهيات الفطرة التى لا يختلف فيها اثنان شاهدة أن الوجه هو أقوى أسلحة الجمال و الفتنــة و هو أقوى الدوافع و المثيرات للغريزة الجنسية ومادام الإسلام يريد بتشريعاته حماية الفطرة ودفــــــع طوفان الفتنة فمحال في نظر كل عاقل أن يتشدد في أمر المرأة في شعلرها و قدميها و يبيح لها كشف وجهها إن من أبسط البديهيات أن من يريد زواج امرأة لا يمكن أن تقع من قلبه و نفسه مهما رأى مـن جسدها مالم يملأ نفسه بالنظر إلى وجهها فإن حجبت وجهها و كشفت ما شاءت من جسمها فهيهات ثم هيهات أن تقع من نفسه أو يختارها زوجة له .
12- قوله صلى الله عليه وسلم (إذا خلرجت المرأة استشرفها الشيطان..) وقولــه صلى الله عليه وسلم (ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء ) و قوله صلى الله عليه وسلم (مـــــــــا تركت من ناقصات عقل و دين أذهب للب الرجل الحازم منكن) .
13- أنه تبارك وتعاى لم يترك لها أى سبب يدفعها أو يسوغ لها اعتياد الخروج من البيت فقد أوجــب مهرها ونفقتها على الرجل و أعفاها من صلاة الجمعة و من الجهاد و جعل صلاتها في مخدعهـــــــا خيرا و أفضل و أعظم أجر من صلاتها في المسجد الحرام فإذا أردت مع ذلك أن تخرج إلى المسجــد وآثرت أن تصلى فيه و إن كانت أدنى و أقل أجرا من صلاتها في البيت لم يسمح لها بالـخروج إلا إذا كان ذلك ليلا و كانت منقبة على أن تكون في مؤخرة الصفوف حتى لا تختلط بالرجال .
14- أنه لم يترك اها الحرية في استعمال صوتها فقد حرم عليها الغناء بل ومنعها من رفع صوتها في الصلاة إذا كان يسمعها رجل أجنبى ومنعها أن تفتح على الإمام إذا سهى و أمرها أن تقـــــتصر على مجرد التصفيق و منعها من تحسين صوتها في مخاطبة الأجانب عند الحــــــاجة {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }الأحزاب32 فأما قوله تــــــــــعالى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِــنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُــــــــنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبــــــــْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31 فلا دليل فيه جواز كشف الوجه و الكفين أمام الرجال الأجانب فإن تفسير الزينة بالوجه و الكفين لا يصـح و لا يستقيم لا من جهة العرف فإن المتفق عليه في اللغة و العرف و الشرع أن زينة الإنسان ليســــت جزءا من جسمه وإنما هى الأشياء الزائدة على جسمه من الثياب وغيرها كالخاتم و القلادة كما يشــير إلى ذلك قوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }الأعراف31 و على هذا فالمراد مــــــن الزينة هى الثياب الخارجية الظاهرة من الجلباب و الخمار و غيرهما مما لا يمكن ستـــــــــــــــــلره .
و كذلك أمره تعالى بغض البصر لايلزم منه أن يجوز للمرأة أن تعتاد كشف وجهها فإن الوجه وحــده هو جماع محاسنها و سلاح فتنتها و إنما يفهم منه فقط أنه يجوز لها كشف وجهها في حال الضــرورة كالشهادة لها أو عليها و المعاملة التى لا بد منها و الخطبة و التداوى و غير ذلك من الحــــــــــــاجات الضرورية الطارئة التى لا بد منها فيجوز كشف الوجه بمقدار قضائها فقط و يجب المبادرة إلى ستره بمجرد الانتهاء منها اتباعا للأصل { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}الأحـــزاب53 إلى آخر ما تقدم .
وعلى هذه الضرورات تحمل جميع الأحاديث التى قد يفهم منها أنه صلى الله عليه وسلم أباح للــمرأة أن تكشف وجهها وكفيها فجميع تلك الأحاديث محمولة على حال الضرورة فقط وأنه لا يصلح للـمرأة في تلك الضرورات أن تكشف غير الوجه و الكفين لأنه لأنه لا تدعوا إلى كشف غير ذلك حاجــــة أو ضرورة و أنه يجب على الرجل غض البصر حتى لا يرى وجهها في مثل تلك الحالات التى قــــــــد تضطر فيها إلى كشفه وأنه حينئذ لا يعفي الأمن النظرة المفاجئة و عليه أن يحول بصره فورا بمـجرد شعوره بها و إلا كان آثما (حول بصرك فإن لك الأولى و ليست لك الثانية ).
و يؤخذ من جميع ما تقدم أن الأصل الأصيل في الإسلام هو :-
أ- استقرار المرأة في بيتها و عدم خروجها منه أصالة إلا لحاجة شرعية .
ب- المباعدة التامة و عدم إنشاء أو وجود اتصالات مباشرة بينها و بين أى رجل ليس بـــــــزوج و لا محرم مهما كانت قرابته منها كابن عمها أو خالها أوابن عمتها أو ابن خالتها أو زوج كل مـــنهما أو زوج أختها ومهما كانت قرابته من زوجها كأخيه أو عمه أو خاله و مهما كان كل من الرجـــــــــل و المرأة في الذروة العليا من الصلاح و التقوى كأحد الصحابة مع أمهات المؤمنين رضوان الله تعالـــى عليهن أجمعين لما روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال (إياكم و الدخول على الـــــــنســــــــاء ! فــــــقــــــــال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال الحمو الموت ) والمراد بالـحمو أقارب الزوج الذين يحل لهم نكاحها كأخيه و عمه و خاله

5- شروط خروج المرأة من المنزل

فيحرم على المرأة مواجهة أوى اتصــــال مباشر بأى رجل ليس بزوج و لا محرم لها إلا بـــــــــــتلك الشروط :
1- أن تدعو حاجة شرعية إلى هذا الاتصال أو المواجهة بحيث لايمكن تحقيقها إلا بذلك.
2- و ألا يزيد الاتصال على قدر الحاجة.
3- و ألا يبدو منها مايدعو إلى الفتنة بها.
4- وأن تكون تفلة أي غير متزينة وغير متعطرة بطيب أو بخور.
5- وأن تكون ساترة لجميع بدنها بما في ذلك شعرها و وجهها إلا أن تدعو حاجة شرعية وقتية إلــــى كشف شيء من وجهها بشرط ألا يزيد ذلك على قدر تلك الحاجة الوقتية الطارئة.
6- أن تلتزم مداومة غض بصرها عن كل رجل أجنبي.
7- وأن يلتزم ذلك كل أجنبي يلتقي بها.
8- ألا يغلب على ظنها أن رجلا أجنبيا يعاود النظر إليها أو يتنسم ريحها أو يتسمع إلى صوتها أو إلى وقع قدمها.
9- أن تحاول جهد استطاعتها البعد بصوتها عن التكسير والخنوع والنبرات المثيرة وألا تزيد فـــــــي الكلام على قدر الحاجة.
10- أن تتجنب المصافحة والملامسة لأي رجل ليس بزوج ولا محرم لأن اللمس أفحش من النــــظر وقد حرَم الشرع النظر ولم يستثن منه إلا النظرة المفاجئة بشرط أن يحول بصره فورا وقد جاء فــــي الحديث ( من مس كف امرأة ليس منها بسبيل ، وضع على كفه جمرة يوم القيامة ).( تكملة فتـــــــــح القدير ص8 ص98 ).
أما إذا لقيها ذلك الأجنبي في حجرة خاصة أو سافر معها قدر ميل فأكثر فإنه لابد من تحقيق هــــــــذه الشروط مع زيادة شرط آخر وهو:-
أن يكون معها زوج أو رجل من محارمها كأخيها أو عمها دون ابن عمها أو أخو زوجها مثلا لأنهــما ليسا من محارمها كما سبق- فإن كان خروجها إلى المسجد فإنه يزاد على تلك الشروط :
أ- أن يكون خروجها ليلا.
ب- وألا تختلط بالرجال بل تكون في آخر الصفوف في مؤخرة المسجد.

6- شروط خروج المرأة للعمل

أما خروجها للعمل فيشترط فيه :
أ- مراعاة الآداب العامة السابقة.
ب- ألا يكون لها دخل أو ولي يكفيها نفقة الضرورة.
ج- أن تقتصر في العمل على مايفي بحاجتها الشرعية فقط وألا تتوسع لتتخذه موردا للادخـــــــــار أو الانفاق في الكماليات المباحة فضلا عن المحرمات .
د- ألايكون العمل نفسه محرما كالتصوير أو وسيلة إلى محرَم وإن كان في ذاته حلالا فليس لهـــــا أن تعمل في دور الملاهي ولو لطهي الطعام ولا أن تشتغل بالتمريض في وسط الرجال.
7- خروج المرأة للتعليم

أما خروجها للتعليم بشكله الحالي فممنوع منعا باتا لما يقترن به من العظائم لكن يجب عليها الـخروج لتتعلم فرائض دينها لقوله عز شأنه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}التحريم6 ، وذلـــــك بشرط:
1- أن تراعى الآداب العامة السابقة.
2- وألا تجد من يعلمها ذلك في البيت من زوج أو محرم أو امرأة فإذا عاد المجتمع إلى الإســـــــــلام وأصبح أولو أمرنا منا و وفروا لها في التعليم جميع الضمانات اللازمة لحماية دينها وعرضهـــــــــــا وأنوثتها وأمومتها كان لها عند ذلك أن تخرج لتتعلم مالابد منه للنساء كشئون المنزل والتمريــــــــض والطب والتدريس للبنات لكن بشرط أن تقتصر في ذلك على مايسد رمق المجتمع دون توســـــــــــع.
هذا و أنبه هنا و أكرر التنبيه أنه من الجهل و الضلال و سوء الغفلة ما يظنه بعض الناس مــــــن أن العلم الذي أثنى عليه الإسلام و جعله ملاك الخشية من الله تعالى و أشاد بأهله في مثل قوله تعالـــــــى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }فاطر28 أقول من الخطأ كل الخطأ أن يظن الناس أن الـــــمراد بهذا العلم هو تلك العلوم المادية أو أن العلوم المادية داخلة في هذا العلم من حيث هى علوم ماديــــه و أنها هى المراد بقوله صلى الله عليه وسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم) و أدهى من ذلك أنهــــم يزيدون في هذا الحديث كلمة (ومسلمة) و هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسبة تلك الكلمة إليه صلى الله عليه وسلم و هو برئ منها و هو بعد ذلك كذب على دين الله بتفسيره هذا التفسير المادى و اتهامه بأنه يفرض على كل مسلم أن يتعلم تلك العلوم المادية تعبدا و لو لم يكن له إليهـــــــــا حاجة و هو بعد ذلك كله اتهام لجميع الأنبياء و المرسلين و على رأسهم سيد الــــــخلق صلى الله عليه وسلم اتهام لهم جميعا بالكذب و الخيانة في تبليغ الرسالة أو اتهامهم جميعا بالجهل وإهدار فريضة من فرائض الله تعالى و إلا فإن كانت العلوم المادية فرضا على كل مسلم كما يزعم أولئك الـغافلون فلماذا لم يعلمونا تلك العلوم المادية كما علمونا جميع الفرائض و السنن حتى لبس الحذاء و دخــول الخلاء ؟ بل لماذا لم يتعلموا هم تلك العلوم على الأقل ؟ حتى يكونوا قدوة لنا و لماذا تركوا الأمامة فــيها للكفار أو لبعض المسلمين الذين لم يكونوا من الصحابة و التابعين خير القرون لماذا ارتضوا لأنفســــــهم أن يكونوا من أولى الجهل و حاشاهم من ذلك . و لماذا أجمعوا على إهدار تلك الفريضة و الإصـــــــرار على تلك الكبيرة و التعاون على الإثم و العدوان { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }النور16 إن العلـم الذي أشاد به الإسلام و هو فرض على كل مسلم و مسلمة هو أساس الإسلام و هو فرض على كل مــــسلم ومسلمة و هو أساس الإسلام و هو فرض على كل مسلم و مسلمة و هو معرفة الله تعالى معرفة تحيي القلب بصدق محبته و خشيته و اليقين بأحديته و قدره و هيمنته و عظمته و تذيب النفس و لها بــــه و فزعا إليه و إخباتا له و حياء من تقصيرنا كل التقصير في طاعته مع سعة رحمته بنا و مزيد فضــله و شدة مراقبته لنا و قدرته علينا و إن طاعته هى وحدها السعادة الأبدية و النجاة من شقاء الدنــــــيا و جحيم الآخرة هذا هو العلم في لسان الإسلام و هو المراد بمثل قوله تعالــــــــى { قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120 و قوله صلى الله عليه وسلم (مثل ما بعثنى الله به من الهدى و العلم كمثل غيث..) .
فيجب على كل مسلم و مسلمة و جوبا عينيا أن يأخذ منه قسطا بالقدر الذي يــصحح عقائده في أصول الإيمان و يصحح عبادته في أركان الإسلام و يعرف به معالم الحلال و الحرام و كــلما تمكن بعد ذلك فيه كان من الذين اوتوا العلم على حسب درجة تمكنه ورسوخه و أعظم الناس مرتبة في التمكن من هذا العلم هم الأنبياء و المرسلون صلوات الله وسلامه عيهم أجمعين . فأما موقف الإسـلام من العلوم المادية فإنه يختلف تبعا لقصد المتعلم منها فأكثر الناس يتناولون تلك العلوم لمجرد الخــظوظ الدنيويه و هى من هذه الناحية مباحة جائزة إن لم تكن وسيلة إلى حرام أو مكروه . و كثير من الناس يتناولون تلك العلوم إيمانا بها و استغناء بهدايتها عن هداية الدين أو ليحاكوا نصوص الدين إليها و يفهــموا تلك النصوص في حدود نظريات تلك العلوم أو لينسبوا إليها و حدها كل ما أعطاهم الله تعالى من نـــــــعم على حد قول قارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ }القصص78 و هذا كفر و ضلال مبين و أصحابـــــه ممن قال الله تعالى فيهم {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِـــــــهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }الجاثية23 وربما توجد طائفة ثالثــة و إن كانت فليلة لاتتناول تلك العلوم إلا حرصا على منفعة المسلمين و مصلحة الإسلام فتكون هــــــــذه العلوم في تلك الحالة تابعة لتلك المصالح فتكون واجبة فرض كفاية أو تكون سنة كفاية مراعاة لأهمية تلك المصالح و ترتيبها في نظر المسلمين و هناك فريق رابع و هو أقل من القليل بل لعله لا يكـــــــاد يوجد إلا في التصور دون الواقع و هو من يكون قصده من تناول تلك العلوم هو تعميق المعرفــة بالله تعالى و الإيمان به و الانهار بآثار قدرته و حكمته و الخشوع و الإجلال لمظاهر عظمته و فضــــــله ورحمته و حياه القلوب بخشيته فإن تلك العلوم في هذه الحالة لا تكون علوما مادية ولكنها تكون مـــن أعظم و أشرف علوم الإسلام الاعتقادية و يكون أصحابها حقا { الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ }النحل27 مـــــــع الذين أنعم الله عليهم من النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد تلقوا تلك المعرفة عن طــــريق الوحى و الفيض من الله تعالى مباشرة دون حاجة إلى تلك الوسائل المادية { اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13 و أيا ما كان فقد تبين أن العلوم المادية لا يجب شئ منها وجوبـــا عينيا على كل مسلم أو مسلمة و لكن يوم أن يعود المجتمع إلى الإسلام و تتحقق حاجته إايها فإنهــــــا حينئذ تكون مطلوبة على سبيل الكفاية فقط لا على أنها من فروض الأعيان .
هذا و أن موقف الإسلام من المرأة في إصراره على صيانتها و تمنعها و الــسمو بها حتى عن تناول الأبصار و الأسماع ليس مبعثة التبرم بها أو التقيد من حريتها أو العمل على إعانتها معاذ الله و حاشـا لله فإن الله تعالى لو أراد بها شيئا من ذلك لما خلقها وهو أرحم الرحمين ولكن موقف الإسلام مــــــــن المرأة هو تقدير الحكيم العليم لرسالتها ورحمة الرحمن الرحيم لأنوثتها و إعزاز القوي العزيــــــــــز لكرامتها و لعل ذلك يتبين بوضوح فيما يأتي إن شاء الله :-
1- لقد جعل تبارك وتعالى قيام هذا الوجود و بقاءه و كماله في نهوض كل كائن فيه بالرسالة التــــــى هيأه سبحانه لها {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50 .
2- و إن الله الذي اصطفي الإنسان على هذا الوجود قد اصطفي المرأة لصنع هذا الإنسان أو لصنــــع الحياة الإنسانية التى هى مقصود الله تبارك و تعالى من هذا الوجود كله .
3- و حسب تلك المهمة عظما و خطرا أن الوجود كله لم يخلق إلا من أجلها و لا ازدهار له إلا بهــا .
4- و لا كانت المهمة العظمى تستدعى من المرأة كل تقدير و إخلاص و تفرغ فقد أعدها سبحانـــــــه وتعالى لذلك كله جسميا و عقليا و نفسيا بحيث لا يستطيع أحد أن يخلفها في ذلك بل لا تستطيـــــع أى امرأة أن تحل محل امرأة أخرى .
5- و لما كان قيام المرأة بتلك المهمة على وجهها الصحيح يستنفذ كل طاقاتها و أوقاتها و يجعــــــــل حياتها سلسلة من المتاعب و الآلام و التضحيات المتلاحقة بسبب ما تعانيه دائما من تتابع الحــيض و الحمل و الوضع و النفاس و الإرضاع و التربية و شئون المنزل .
6- ولما كان ذلك كله لابد أن يجعلها عاجزة كل العجز عن مجرد التفكير في كسب رزقها و حمــــاية نفسها فضلا عن عجزها في تحقيق مثل ذلك لأولادها و عجزها عن توجيه حياة الأسرة في إطــــــار البيئة و الحياة العامة .
7- و لما كان ذلك يضطر المرأة حتما إلى التضحية بكرامتها أو بأمومتها أو بهما معا مما يؤدى إلــى إفساد فطرتها و أسرتها و فساد الحياة الإنسانية عامة فإن الله تبارك و تعالى قد أمدها بجميــــــــــــــع الضمانات و الأسلحة التى تؤمنها على ذلك كله و التى ترفع كرامتها إلى مستوى مهمتها القدسية حتى تكرس لها كل حياتها بكل أمن و إخلاص و إعزاز و تمكن .
وذلك أنه سبحانه خلق في الرجل الجاذبية الدائمة إليها والغيرة الشديدة عليها ودفعه دفعا بمقتضــــــى فطرته ودينه إلى أن يدور دائما في فلكها وأن يتلمس نظراتها وألا يرى كيانه إلا بين خباياهــــــا وألا يحس سعادته إلا في رضاها مهما كلفه ذلك وكلفه من تضحيات فهي إن كانت أما كانت جنته تــــحت أقدامها وكان ثلاثة أمثال الأب حقا لها وكانت هي أعظم الناس عليه حقا وأعمقهم وأخطرهم في كـــل حياته أثرا وإن كانت بنتا كانت تربيتها حجابا له من النار وحسبها أن تكون ممن تسابق نــــــــــبي الله زكريا إلى كفالتها وخدمتها فلم ينلها إلا بقرعه {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْــــهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }آل عمران44 وحسبها أن كانت تــــــلك الكفالة لها من نعيم الله تعالى التي امتن بها على نبيه زكريا وجعلها له مصدر خير وفضل وسعـــــادة {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء }آل عمــران38 وإن كانت زوجة فحسبها أن يكون سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في خدمتها ( كــان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله ).



8- فضل حسن معاملة الزوجة

وحسبها أن يكون ميزان التفاضل بين الرجال هو إحسان عشرتها :
1- وتلمس رضاها والقيام بخدمتها في بيتها .
2- فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركــــــــــــــــــم لأهلي ).
3- ويقول لأم المؤمنين عائشة ( أنا أعلم إذا كنت عني راضية ) وتخبر هي عنه أنه كان فـــــي خدمة أهله يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويقن بيته وقد بلغ به الحرص على إرضائهن أن عـــــاتبه ربه جل شأنه لما حرم على نفسه بعض الحلال إرضاء لهن ونزل في ذلك {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَـا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ }التحريم1 .
4- بل حسبها أن موسى تلقى رسالته وهو في خدمتها يبحث لها عن الدفء ولاراحــــــة { قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }القصــــص29 {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا الــــــلَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }القصص30 وحسبها أن يكون وضع اللقمة في فمها عبادة ولاموت دون خدرها شهـــــــادة ( ومن مات دون عرضه فهو شهيد ) وحسبها بعد ذلك رضوانه تعالى في الآخرة.
و كانت المرأة أمة رقيقة كان اسيدها بتعليمها دينها ثم عتقها و الزواج بها كان له في ذلك أجــــــــران اثنان و كان له بعتقه أمتين اثنتين عتق رقبة من النار .
و هك>ا تمت حكمة الله و شريعته على أن يكون الإنسان هو سيد هذا الوجود و على أن يصطفي المرأة و يعيدها بقدرته و حكمته لصنع هذا السيد فهى سيدة تصنع سيدا و أن يهيئ لها من الرجـــــــل الذي هو من صنعها كل كفالة و حماية و متعة و عون على مهمتها العظمى مهمة صنع الحياة فهيـــأه سبحانه وتعالى و أناط به مهمة الإشراف على هذا المصنع لتوفير كل احتياجاته من المواد و الوقـــود و الطاقة و الحماية و الإصلاح و التوجيه و الملائمة و التعاون بينه و بين الحياة... و هكذا هيـــــأ الله تعالى للمرأة على يد الرجل كل ما يضمن لها القرار في بيتها رحمة بها و إعظاما لها و تقديـــــــــــرا لوظيفتها بل إنه تعالى قد أعفاها من كل مهمة خارج بيتها حتى و لو كانت من ضروريات دينهـــــــــا فأعفاها من الجهاد على قداسته و ضرورته و أناطه بالرجل و كتب لها مع ذلك مثل أجره ما دامـــت قائمة بالأمانة على بيته و بيتها كما أعفاها من صلاة الجمعة و الجماعة و جعل صلاتها في فـــــراش نومها خيرا من صلاتها في المسجد الحرام و لو خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لقد أعفاها و هى في بيتها من الصلاة و الصوم مدة الحيض و النفاس تيسيرا عليها و أعفاها من الصوم أثنـــــــــاء الحمل و الرضاعة إذا كان يشق عليها.


9- الخلاصة

ونستطيع أن نستخلص من ذلك كله تلك النتائج البديهية الآتية:
1- إن كرامة المرأة في الإسلام تنشق من عظمة و يفتها و هى المسئولية المباشرة الكاملة عــــــــــن الوجود الإنسانى كله الذي هو مقصود الله تعالى من هذا الوجود .
2- و إنه تعالى قد أعدها لذلك إعدادا كاملا بحيث لا يستطيع أحد أن يخالفها في وظيفتهـــــــــــــــــا .
3- و أن الرجل هو منحة الله تعالى لها لتذليل جميع العقبات و توفير جميع الضمانات التى تكفل لهـــا النجاح الكامل في مهمتها .
4- و إن أنوثتها و سمعتها هما وحدهما الدعامتان اللتان تقوم عليهما علاقة الرجل بها و هما الطاقـــة الدافعة له كلفه ذلك من تضحيات دون أن يشعر في ذلك كله بأى منة له عليها .
5- و إن إصرار الإسلام على قرارها في بيتها و على السمو بها فوق تناول الأبصار و الأسماع لو لم يكن فيه سوى تفرغها لمهمتها و صيانة أنوثتها عن الابتذال و صيانة سمعتها عن القيل و القال أقــول لو لم يكن في إصرار الإسلام على قرارها في بيتها إلا تلك المزايا لكان في ذلك وحده ما يدفع كـــــل عاقل و عاقلة للتشبت به والتزام منهجه القوى (لا أحد أغير من الله تعالى ) صــــدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن الإسلام هو دين الفطرة ليبارك خدرها و يحميه و يكلؤه حفاظــــــا عليها و ضمانا لسعادتها و إنماء لفطرتها . إن ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى . قد جعل عظمة المرأة في أمومتها و جعل أوثتها في فتنتها و جعل التمنع و التعفف و الترفع و الحجاب أول مقومات تلـــــــــك الأنوثة بل خير مقوماتها و أمضى أسلحتها و أبهى حللها و زينتها و هو يعلم سبحانه كذلك أن سعــادة الرجل في أن يسعى هو إليها و يتلمسها و يقف هو ببابها مأخوذا بظهرها فخورا بتمنعها و عفتــــها و ليست سعادتها في أن يصطدم بها في كل مكان فيحطمها ثم يلفظها و يفر مــــنها { ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }الزمر15 .
و لولا أنه تعالى يعلم ذلك و أكثر من ذلك لما جعل الحجاب من أبهى حلل الحور العين , و لما جعــله من أزهى ألوان النعيم المقيم {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ }الرحمن72 {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُــؤِ الْمَكْنُونِ }الواقعة22:23 {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِين كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌٌ }الصــــافات48:49 أجل... لولا أنه تبارك وتعالى يعلم أن في الحجاب سعادة الرجل و المرأة في الدنيا و الآخــــــــــرة و ازدهار الحياة و طهرها و نهوض الفريقين بالرسالة المقدسة – التى أوصى بــها صلى الله عليه وسلم أمته (تناكحوا تناسلوا تكثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة ).
لولا أنه تعالى يعلم ذلك و أكثر من ذلك لما اختار الحجاب و الخدر المصون حتى لأمهات المؤمنين و هن خير نساء العالمين , و هن يعشن بين أظهر الصحابة الأكرمين فلم يكن يتـــــــصور أن يرفع أحد إليهن طرفه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
أقول : لو لم يكن لقرار المرأة في بيتها من حكمة في الإسلام سوى تفرغها لوظيفتها و الحفاظ عــــلى أنوثتها و سمعتها المستمدة من دينها لكان حتما على كل امرأة تعرف الإسلام بل البشرية كلـــها أن لا تجد سعادتها إلا فيه و أن لا تستمد مقوماتها إلا منه و أن لا تضيع حياتها إلا بــــــه {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }البقرة138 {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِــــــــــــي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }الفرقان6 و لكن الإسلام لا يقف بالمرأة و لا البشرية عند الإنقاذ من شقاء الدنيا و لا عند الفوز بسعادتها فقط و إنما يحرص كل الحرص على إنقاذها من الشـــقاء الأبدي في الآخرة – يحرص على إنقاذها من الحطمة {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهـــــَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ }الهمزة6:9 { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَـذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء56 و يحرص كل الحرص على فوزها بالسعادة الأبدية في في جـــــنة عرضها السموات و الأرض (فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ) نعم لا يحرص الإسلام كل الحرص على أن تكون المرأة سعيدة في دنياها فقط و لكنه يحرص كل الــحرص مع ذلك على أن لا تكون ممن عناهم صلى الله عليهم وسلم بمثل قوله (صنفان من أهل النار لم أراهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس و نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤســـهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا) أجل (لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا) صــدق رسول الله صلى الله عليه وسلم , و كيف تجد ربح الجنة من منحها الله تعالى مفتاح الوجود فأبت إلا خــرابه و دماره ؟ كيف تجد ريح الجنة من بوأها الله تعالى السيادة على الوجود فأبت إلا حضيضه و خزيـــــه و عاره ؟
كيف تجد ريح الجنة من حملها الله تعالى أعظم أمانة حين اصطفاها لصنع الإنسان فأبت هـــــــى إلا تكون صنيعة الشيطان ؟
نعم : الشيطان الذي يجرى من ابن آدم مجرى الدم .
الشيطان الذي أقسم بعزة الله تبارك وتعالى أن يحشد كل إمكانياته و طاقاته لتحطيم ذلك الإنسان الذي اصطفاه الله تعالى على هذا الوجود و الذي كان هو سبب لعنته و شقائه و طرده من رحمة الله تعالــى إلى الأبد حين أبى أن يسجد له {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْـــــنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }الأعراف16:17 الشيطــــان الذي كانت أول جريمة أرادها بالإنسان قبل إخراجه من الجنة هى كشف سوآته لتحطيم شخصــــــيته {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـــــــذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }الأعراف20 أجل { لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمــــَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}الأعراف20 .
هذا هو الشيطان الذي رضيــــــت اللعينة أن تكون صنيعته و أن تتآمر معه على تحطيم سلطة الرجل الذي هو هدية الله تعالى إليها لكفالتها و حمايتها و متعتها – نعم على تحطيم القلب الذي يأويهــــــــا و الدرع الذي يحميها و اليد التى تطعمها ثم خرجت بعد ذلك إلى الشارع تستجدى الناس بعرضهــــــا و تتجر بشرفها و تشعل بأنوثتها و فتنتها و خبثها نارا تلتهم رجولة كل من يلقاها لتفسد حياته كمــــــــــا أفسدت حياتها و تحطم أسرته كما حطمت أسرتها و ليبوء المجتمع كله بإثمها و وزرها و لعنتــــــــها {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِـــــــــــــــــئــــــــْسَ الْقَـــــــــــرَارُ } إبراهيم28:29 و لقد كان من عدل الله تعالى أن ارتدت كل سهامها إليها و جـــــــنت جميع حماقاتها عليها فقدت كل زينة و خسرت كل قيمة – لقد أصبحت مباءة قذرها الذباب و جيفـــــة عافتها الكلاب و قمامة ضاقت بها المزابل . أصبحت وجهة لكل باصق و استجداء لكل فاســــــــق و ممسحة لكل حذاء و تلويثا و تسمما لكل هواء{ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَــــاءُ }الحج18 و كيف لا تكون جديرة بكل إهانة من الله تبارك وتعالى في الدنيا و الآخرة و قد كـــــــفرت نعمته و جحدت شريعته و استبدلت رسالة الهدى و التقى و الرشاد إشاعة الفحشاء و المنكر و الفـساد إن كل خطوة تخطوها المرأة خارج بيتها و لو إلى المسجد و هى تعلم أن أجنبيا سيحملق فيهــــــــا أو يعاود النظر إليها أو يتنسم ريحها أو يتسمع و لو إلى صوت حليها – كل خطوة في هذا الطريق هـــى لعنة من المنتقم الجبار تحيق بتلك المرأة و بوليها و بالمجتمع الذي يأويها و بالقانون الذي يحميــــها .
أجل هى لعنة بقدر ما أثارت من فتنة صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (الفتنة نائمه لعن الله مــن أيقظها) و هى لعنة بقدر ما كانت بلاء على أهل الإيمان (ما تركت فتنة بعدى أضر على الرجال مــن النساء) و هى لعنة بقدر ما حطمت من أسرة و هتكت من حرمات و مزقت من صـــــــلات {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لــَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }الرعد25 و هى لعنة بقدر ما أشاعت من فاحشة {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيــعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }النور19 وهــــى لعنة بقدر ما مكنت للمنكر {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـــــمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}المائدة78:79
و هى لعنة بقدر ما رضيت لنفسها أن تكون أفتك سلاح في يد الشيطان و مطية له في إغوائـــــــه (إذا خرجت المرأة استشرفها الشيطان) .
فهى لعنة بقدر ما استشرفها الشيطان فبغض لها طريق الإيمان و نفرها من أقدس سمات الإسـلام (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) (أن لكل دين خلقا و إن خلق الإسلام الحياء) و كــــم تبوء معه باللعنات كلما استشرفها فاتخذ منها لافته و قاعدة انطلاقة في وجوده الحركى كــــــــله {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }الأعـراف17 كم تبوء معه باللعنات كلما اتخذ منها سهامه المسمومه و حبائله المضمونه . أجل فإن الشيطان بــدون المرأة محارب بلا سهام و صائد بلا حبال (النظر سهم من سهام إبليس ) (إنكن حبائل الشيطان ) بــل كلما اتخذ منها وقودا لأول و أخطر جريمة اخترعها لتحطيم عدوه الإنسان {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطــَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}الأعراف20 بل كلما دفعها و زين لها أن تكون حربا عـلى الإسلام وحرمها و بغض إليها أن تكون هى السعادة التى يحرص عليها عباد الرحمن{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَامــاً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَامـــــــــــاً وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَـــــــا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَــــــوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَــانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الـــــزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً وَالَّذِينَ يَقُولــُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}الفرقان63:74 لقد أرادها قــــــــرة أعين فأبى عليها اللعين إلا أن تكون سهما يفقأ تلك الأعين و يقذف بها في النار (و كل عين نــــظرت إليها زانية ) (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله و عين غضت عن محــــــــــــارم الله) .
و الخلاصة :
1- أن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذا الوجود ليكون مظهرا لتوحيده سبحانه في الربوبيه و الألــوهيه و الكمال المطلق .
2- و أنه سبحانه قد شاء أن يكون النوع الإنسانى وحده هو مقصود هذا الوجود و محوره و قطبـــه و عماده و حياته ما بقى الوجود .
3- و أنه سبحانه قد صمم في القدر هذا الوجود بإرادته و علمه ثم أبرمه بقدرته على هذا النظام و هو أن تكون جميع نواميس الوجود كلها خادمة لنواميس الفطرة الإنسانية و لنواميس الوجود الإنسانــــى ضمانا لنماء النوع الإنسانى و كثرته و بقائه ليبقى به الوجود ما شاء الله تعالى .
و هكذا تمت كلمة الله تعالى قدرا في الأزل و قضاء في الخلق على أن يكون الإنسان هو مقصود هـذا الوجود و محقق حكمته و أن يكون كل شئ في الوجود محققا لمطلب من مطالب فطرة هذا الإنســـان أو وجوده .
4- ثم جاء الإسلام يعلن أنه دين الفطرة لأنه يتعبد الإنسان بإطلاق جميع طاقات فطرته و الاستجابــه لكل نواميسها و الاستعانه بكل شئ في هذا الوجود المسخر له لتحقيق كل مطالبها صيانة لها عـــــــن الانحراف و لتحقيق السعادة في الدنيا و الآخرة {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمــَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ}الأعراف185 {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِـيــــــعــــــــــــاً مِّــــــنْـــــــهُ }الجاثية13 .
5- و من مقاصد الإسلام في ذلك إشباع أشواق الفطرة إلى صدق التعرف إليه تعالى مــــــــــن عموم رحمته الواسعة و مزيد فضله العظيم بما أفاض على الإنسان من تلك النعم التى لا تعد و لا تحـصى . و إشباع أشواقها إلى صدق الإنابة و الإخبات إليه تبارك وتعالى بما شرعه من العبادات و القربـات و الشعائر و المشاعر . و إشباع أشواقها كذلك إلى إخلاص العبودية له تعالى على ما أعطانا من تــــلك النعم التى لا سبيل إلى الإحاطه بالقليل منها – أما حقيقة هذا الشكر فتتكون من :
1- تذوق كل نعمة من تلك النعم و استشعارها .
2- و المقارنة بين التمتع بها و بين فقدها أو الحرمان منها .
3- و الإيمان بأن جميع تلك النعم إنما هى منه تعالى وحده لا شريك له فضلا منه و كرما فكل نفــــس في حياة الإنسان أو نبضة من نبضات قلبه أو ومضة من ومضات بصره أو لقطة من لقطات سمعـــه أو همسة من همسات صوته أو خلجه من خلجات نفسه و حسه أو انتفاضة في أي طاقة من طاقاته أو ذرة في كيانه أو في الوجود كله أو قطرة ماء أو نسمة هواء كل ذلك هو محض فضل وكرم من أرحم الراحمين ولو شاء سبحانه لحرم الإنسان من كل ذلك ولو شاء لسلبه ذلك كله في لحظة واحدة بل ولـو شاء لم يخلقه أصلا أو لخلقه كلبا أو خنزيرا أو حمارا ولكنه بفضله خلقه في أحسن تقويم وجعلـــــــــه محور هذا الوجود كله.
4- الشعور البالغ العميق بمدى فضل الله تعالى ومنته وكرمه ورحمته في ذلك كله وفي أكثر مــــــــن ذلك- ومن مظاهر هذا الشعور:
أن يتحرى الإنسان مرضاة الله تبارك وتعالى في التمتع بنعمه وأن يبذل أقصى جهده في ذلك فــــــــلا يستمتع بنعمة من نعم الله تعالى إلا في حدود ماشرعه الله له فإن من حقه تبارك وتعالى وحــــــــده أن يضع الحدود والضوابط لتمتع الإنسان بنعمة من النعم التي خلقها كلها لسعادته. نعم من حقه تبـــــارك وتعالى أن يضع تلك الحدود والضوابط من حيث أنه هو المالك الخالق ومن حيث إنه هو المهيــــــمن قيوم السموات والأرض الواحد القهار ومن حيث إنه هو الحكيم العليم بكل مافيه سعادة الإنسان فــــي الدنيا والآخرة ومن حيث إنه هو أرحم الراحمين . فإذا التزم الإنسان حدوده تبارك وتعالى في التمتــع بكل نعمة من نعمه فإنه يفيد من ذلك :
1- ضمان التمتع الصحيح الكامل بكل نعمة على خير ما أراده الحكيم العليم.
2- أمنه مغبة هذا التمتع الذي كثيرا مايتردى فيه المسرفون والمنحرفون في الدنيا والآخـــــــــــــــرة.
3- اتجاه كيانه بكل الطاقات وجهة الوجود كله في تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى فيصون بذلـــــــك طاقاته عن الصراع والتمزق. ويسعد بنعمة السلام والتعاون بين طاقاته جميعا من جهة وبينها وبيـــن نواميس الوجود من جهة أخرى حيث تتجه جميعا في كل حركة من حركاتها إلى تحقيق عبوديـــة الله تعالى الذي خلقها ومنحها الحياة والحركة والنظام. وكفي بهذا سعادة وحياة طيبة في الدنيا فضلا عــن السعادة الأبدية في الآخرة إن شاء الله {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَــــاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97 .
فعلى الإنسان أن يحذر كل الحذر من أي إعتداء مباشر أو غير مباشر على أي طاقة من طاقاتـــــه أو على أي نعمة من نعم الله تعالى بتعطيلها أو إتلافها أو الانحراف بها عن منهج الله تبارك وتعالــــــــى وعن المجال الذي خلقها له فإن هذا الاعتداء لايقتصر ضرره على فرد أو أفراد ولكنه يمس مباشـــرة وجود النوع الإنساني كله من حيث إن هذا الفرد أو الأفراد دعامة من دعائمه وحلقة من حلقاته- بـــل يمس تبعا الوجود العام كله الذي يعتبر النوع الإنساني محوره وقطبه وحياته {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَـــنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}الأنفال25 ، {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيـــْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}المائــــــدة32 فأشارت هذه الآية الشريفة إلى :
أ- أن قتل إنسان واحد هو بمثابة قتل الناس جميعا.
ب- وأن هذا القتل مع ذلك يجب احتماله لتحقيق العدالة بالقصاص أو لدفع الفساد فــــــــــــي الأرض.
ج- وأن احتمال قتل إنسان وإن كان بمثابة قتل الناس جميعا هو أيسر من ضياع العدالة أو من احتمال الفساد في الأرض.
د- بل إن قتل الناس جميعا قتلا حقيقيا لدفع الفساد في الأرض هو من سنته تعالى الثابتـة{ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ }الفجر11:13 ، وقد بين سبـحانه أن هذا الفساد في الأرض الذي قد يدمر الوجود كله من أجله ليس له إلا سبب واحد هو الغفلة عن نــــــعم الله تعالى {فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }الأعراف74 ، فإن تلك الغفلة هي ســــــلاح الشيطان لدفع الإنسان إلى الاعتداء على نعم الله تعالى بالتعطيل أو الإتلاف أو الانحراف حتى تصـير النعمة نقمة عاتية مدمرة. أجل فإن الإنسان تحت تأثير الغفلة قد يتناول السم على أنه دواء وقد يـــترك النار أو الكهرباء أو اسطوانة الغاز حتى تلتهم الأخضر واليابس – وقد بين سبحانه أن تلك الغفلة وإن تعددت أخطارها ومظاهر الإعثاء فيها بتعدد الاعثاء على نعم الله تعالى التي لا تحصى فإنها تــــؤول في النهاية إلى مظهرين اثنين هما جماع كل شر وقد أشار إليهما قوله تعالى {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِــــــي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ}البقرة205 ، فالنسل هو الوجود الإنساني كله من لـــدن آدم إلى يوم القيامة والحرث هو الوجود العام الذي جعل به الله تعالى قوام الوجود الإنساني وازدهــــــاره وكماله فكل مساس بالوجود الإنساني في كمِه أو كيفه أو نموه في جوهره الأصيل أو مظهره المشرق وكل تبديد لشيء من طاقاته في غير وجهتها الربانية وكل تقصير في اتخاذ كل الوسائل لغلبة حـــزب الله تعالى والتمكين له في الأرض لتحقيق الخلافة عن الله تعالى بإقامة منهجه القويم وبالجملة فكــــــل تهاون في تعبئة الجهود ومضاعفتها وتركيزها لإنماء الوجود وإثرائه وصبغه بصبغة الله تعالى هــــو اعتداء وإهلاك للحرث والنسل لأنه إهدار للفطرة الإنسانية ولحكمة الله تعالى من هذا الوجود كلـــــــه ولسنته التي أقامها سبحانه وتعالى لتحقيق تلك الحكم {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيــــــــــهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }هود61 {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُــــــــــــدُونِ }الذاريات56 وهو بعد ذلك موالاة للشيطان في تغيير خلق الله تبارك وتعالى و محادته سبحانــــــــــه وتعالى و سوء الظن به { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً}النساء119 {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً }النساء119 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُــــطُــــــــوَاتِ الــــــشَّيْطَانِ إِنَّهُ لــَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة168 و كفي بذلك كله إهدارا للحياة الطيبة التى ارتضاها سبحانه وتعالى لكل مســــــــلم ووعده بها ما استقام على منهجه القويم {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَــاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97 .
ه- فأن أولى مقومات المسلم الذي يقدر مدى فضل الله تعالى عليه في انقاذه بهذا الإسلام من شقـــــــاء الدنيا و جحيم الآخرة هى الحياة الطيبة و هى التى تقوم على الإسلام في جوهرها و مظهرها و في مصدرها و غايتها.
10- مقومات الحياة الطيبة

و أهم مقومات تلك الحياة هى :
1- المرأة المسامة التى صنع الإسلام وحده حياتها و صاغ جميع أفكارها و سلوكها فهى تقدر مــــدى فضل الله تعالى عليها أن اصطفاها لأكرام مهمة و أتم عليها بهذا الإسلام أعظم نعمة ورفعها به إلـــى أعظم قمة فلم يرضى لها أن تكون بهيمة تزدحم بها الأسواق و لكنه جعلها دينا و عرضا تـــــــضرب دونها الأعناق و أرادها كاللؤلؤ المكنون لا يفتحهما طرف و لا يتنسم ريحها أنف حتى يظل الرجــــل دائما هو الساعى إليها الواقف ببابها و حتى تكون دائما هى الأمل الذي يحفزه و السكن الذي ينشــــده و الدعاء الذي يردده { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ }الفرقان74 .
2- و الرجل المسلم الذي يقدر المسؤولية التى أعده الله لها و الأمانة التى جعله من أهلها و الوصيــــة التى كانت من آخر وصايا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله في النساء فقد أخذتموهن بأمانــة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فإنهن عوان عندكم لا يملكن من أمرهن شيئا فاتقوا الله في النسـاء) .
3- الذرية المسلمة التى تتناسب :
(1) مع مساحة هذا الكون الهائل الذي خلقه الله تعالى من أجل الإنسان و تعبده بعمارتـــــــــــــــــــه .
(2) وتتناسب مع كل ما أودعه سبحانه وتعالى في هذا الكون من الذخائر و الكنوز و الطاقات التى لا يحيط بها سواه و التى سخرها كلها للإنسان .
(3) و تتناسب مع النهوض بمهمة الجهاد الذي كلفه به سبحانه وتعالى لصبغ هذا الكون كله بصبـــغة الإسلام {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ }البقرة193 .
(4) و تتناسب بعد ذلك كله مع مساحة الجنة التى وعدنا الله تبارك وتعالى بها في الآخرة {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمــــران133 فكل هبوط بالذرية المسلمة عن تلك المستويات بسبب تعطيل أو تقصير أو تهاون في حشد جــــــميع الطاقات هو تجاهل بل إهدار لحكمة الله تبارك وتعالى فيما خلق واودع واوسع و فيما أعطى واوفي و أجزل و حسبه بعد ذلك أن يكون وأدا للحياة الإنسانية حتى ولو كان عن طريق العزل الذي يستهـــــــــــــين به الغافلون و الذي سماه صلى الله عليه وسلم (الوأد الخفي) و قـرأ صلى الله عليه وسلم {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ }التكوير8 وهيهات أن يخفي ذلك على المسلمين فضلا عن أصحاب الـدعوات الذين اصطفاهم الله تبارك وتعالى و جعلهم قدوة لخلقه و هيهات ثم هيهات أن يجد فيه ميسلم عـــــــــــــــلاجا لمشاكله الإقتصادية (فإن ما عند الله لا ينال بمعصيته) و إن ترقيع الإسلام بالجاهلية هو كترقيع الـــــــجاهلية بالإسلام كلاهما صد عن سبيل الله و كفر به و إهدار لمنهجه القويم .
أن أول واجب على الدعاة أن يعمقوا في نفوس الناس أن الله تبارك وتعالى قد أمنهم على أرزاقـــهم و أرزاق أولادهم بل قد أمنهم سبحانه وتعالى على حياتهم و آجالهم و كل ما يهمهم في هذا الوجــــــــود تأميناكاملا يبعث في القلب كل سكينة و يردع النفس من كل هم و قلق و اضطراب بأن ذلك كله في يده تبارك وتعالى وحده هو الحكيم العليم و هو أرحم الاحمين و هو ذو الفضل العظيم و لم يجعل لأى أحد من خلقه أى سلطان أو تصرف في ذلك وحسب المؤمن بعقيدة القدر أن تمتلئ نفسه يقينا بـــــــأن الخلق جميعا بكل جاهليتهم وماديتهم ومقدراتهم و عتوهم و صلفهم لا يستطيعون أن ينفعوه إلا بـــشئ قد كتبه الله له و لا أن يضروه بشئ قد كتبه الله عليه (رفعت الأقلام وجفت الصحف) (ما شـــــــاء الله كان) وإن أبى الناس جميعا (ومالم يشئ لم يكن) وإن حاول الناس جميعا .
و إن واجب الإنسان و قد أمنه الله تعالى على حياته ورزقه و مصيره و كل ما يهمه من مال وولد من واجب الإنسان وقد أمنه الله تعالى على ذلك كله ضد جميع خلقه أن يأمن نفسه هو من شئ واحد فـقط و هو غضب الله تبارك و تعالى فقد نال بذلك كله الفوز برضاه و تلك هى السعادة الابدية التـــــــى لا سعادة بعدها و ليس لهذا التأمين من غضب الله تعالى إلا طريق واحد و هو الفرار من كل الجــهالات البشرية و إهدار كل كل قيم الجاهلية في التعامل مع هذا الوجود إلى منهج الله تبارك وتعالى وحــده و التعامل مع الوجود كله بقيمه وحده دون أى تقدير بعد ذلك للمحافظة على الحياة نفسها فضلا عمــــــا يقترن بها من الصحة و الأموال و الأولاد فإن ذلك كله منحة من الله تعالى لنا من أجل الإسلام وحــده {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 و أنه سبحانه وتعالى يستطيع أن يسلبنا ذلك كلـــه في أقل من لحظة و هو إنما أعطانا ذلك كله بمقادير ثابته ثبوت القوانين الطبيعية لا يمكن أن يؤثـــــر فيها أو ينال منها إلا قدره سبحانه و مشيئته و لأننا كلما سعينا لإرضائه تعالى و الأمان من غضـــــبه ظفرنا بالسعادة العظمى في الدنيا و الآخرة دون أن ينقص ذلك من حظوظنا الدنيوية أو يزيد منهــــــا شيئا ما غير ما أراده الله تعالى و قدره فما دام الرزق و الأجل و كل ما يهم الإنسان قد حـــــدده الله لا محيد عنه فإن من جهل الإنسان و حمقه و هلاكه أن يحاول تغيير شئ من ذلك بمعصيته .
4- بقى من مقومات الحياة الطبية الرزق الطيب و هو الحلال في مادته و مصدره و منه طعــــام أهل الكتاب بخلاف طعام غيرهم من الشيوعين و أمثالهم ممن لا كتاب لهم .
5- و الحكومة المسلمة التى تسهر على إقامة الإسلام و تعبئة كل الطاقات لإسعاد الناس به إنقاذا لــهم من شقاء الدنيا و جحيم الآخرة .
تلك هى الحياة الطيبة التى هى الطيبة التى هى أعظم نعم الله تعالى على المؤمن و التى يـــــــــــحاول أعداءنا دائما صدنا عنها و تنفيرنا منها .
{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ}البقــــــرة105 {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}البقرة120 و حسب المسلم في مواجـــــهة هذا كله :- {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمـــران85 {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}طه124 .

11- سر الحياة الطيبة ... الايمان

أن كل ما يرمي إليه أعداء الإسلام و يتكتلون من أجله و يخططون له هو أن يصرفوا الشباب الــمسلم عن الإيمان بالله تبارك وتعالى إلى الإيمان بالعلم المادى , و عن الإيمان بالآخرة إلى الإيمان بالدنيا , و أن يركزوا نفوسهم أن غاية الإنسان الإولى هى فيض من الرخاء و الأمن له و لأولاده في تــــــلك الحياة , و أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بإتباع قوانين العلم المادية و حدها . و بهذا وحده يضمــــــــــــنون انصراف الشباب المسلم تماما عن التفكير في الآخرة التى من أجلها وحدها خلق , و من أجلها باع لله حياته و كل ما وهبه من طاقات , و هم يرمون من وراء هذا و ذاك إلى تحقيق ما أخبرعـنه صلى الله عليه وسلم فيما معناه (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كم تتداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا أمـن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : لا بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل و لينزعن الله مـــن صدور أعدائكم المهابة منكم و ليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله ؟ فال : حب الــــــدنيا و كراهية الموت ) ... أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أن أعداء الإسلام يتوجسون خيفة من يقظة المسلمين المفاجئة , فهم لهذا يعيشون في فزع و وجل و تربص و تكتل و تخطيط كامـــــــل لإحباط تلك اليقظة التى لا يجتمعون إلا على حربها , و لا يخشون شيئا أعظم منها لأنهم يدركـــــون تماما عمقها و عنفها و مداها يعرفون كيف استطاع المسلمون في ربع قرن بإيمانهم أن يعصـــــــــفوا بأعظم دولتين آل إليهما ميراث العالم في جبروته و طغيانه و فساده و جهالته و كيف هوى ذلك كـــله تحت أقدامهم و كيف نعمت الإنسانية كلها تحت وصايتهم الربانية بأسعد و أرغد حياة عرفتها الدنيــــا {وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الشورى36 أجـل ... { لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الشورى36 فلم يكن المسلمون يهتدون في ذلك كله بالعلوم المادية أو الــــــــــــــــنظم التكنولوجية و لكن هناك سر واحد فقط لذلك كله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُــــــمْ بِإِيمَانِهِمْ}يونس9 نعم { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ }يونس9 إيمانهم :
1- بأن غاية الممؤمن الأولى و الأخيرة هى الله تبارك وتعالى وحــده {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}الذاريات50 .
2- و بأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالـــهم {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}التوبة111 أجل ... { بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}التوبة111
لا بــــــــــــــــأن لـــــــــــــهــــــم الملك { إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }الأعراف128
و لا بأن لهم الغنيمة فقد جاء في الحديث الصحيح صلى الله عليه وسلم (ما من غازية تغزو في سبــيل الله فيغنمون شيئا إلا تعجلوا ثلثى أجرهم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
3- { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ }يونس9 إيمانهم بأن الدنيا لم تخلق لتكون غاية الإنسان لأنها لا تزن عنـد الله جناح بعوضة و إنما خلقت لتكون فترة ابتلاء للإنــــــــسان { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ}هود7 {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً }الإنـــسان2 {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }الكهف7 { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً }الأنـــبياء35 {فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى }النازعات37:39 .
4- إيمانهم بأن الدنيا لا تصلح أن تكون غاية إلا للكافرين { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }محمد12 { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَِ}الحـــديد20 { أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف 179 .
5- و أن الكافر مع ذلك كله لا ينال منها إلا ما كتبت لــه {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً }الإســــــراء18 و لو شاء سبحانه وتعالى لجعل للكفار بيوتا من ذهـــــب {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّـــــا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }الزخرف33:35 {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِـــــــــي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ }الشورى27 .
6- و أن الآخرة وحدها هى الحياة الـــتــــى لــــــهــــا خلقنا { وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت64 و سوف يتحسر الكافر يوم القـــــــيامة حين يعلم أن الآخرة هى الحياة الحقيقية الكاملة أيما حسرة حين يقول {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }الفجر24 و هكذا يعلم تمـــاما أن الدنيا لا تساوى جناح بعوضة بجانب ما أعده في الآخرة للمتقــين {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }القمر54:55 {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }القيامة22 .
7- إيمانهم بأنه تعالى خلق الأرض و بارك فيها و قدر فيها أقواتها و أمتن على الناس جميعا بمــــــثل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً}البقرة168 فمهما أكل الناس جميعا مــن لدن آدم إلى يوم القيامة فلن يأكلوا كل ما في الأرض . كيف و العليم الحكيم يقول {كُلُواْ مِمَّا فِـــــــــي الأَرْضِ}البقرة168 و لكنه سبحانه وتعالى مع ذلك { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ}الرعـــــــــد26 حسبما تقتضيه حكمته العليا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
8- إيمانهم بأن جميع قوانين العلم التى تبدو حتمية و ليست إلا مظهرا لقدرته تعالى و مشيئته و لـــــو شاء سبحانه وتعالى لأبطلها جميعا{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }إبراهيم19 {إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ}سبأ9 {لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ }الواقـــعة65 {لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ }الواقعة70 { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهــــْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}المائدة17 .
9- إيمانهم بأن الأمن و الرخاء في الدنيا لا يرتبطان بمراعاة قوانين لعلم المادى و أنما يرتبطان فقــط بالإيمان و التقوى , كما أن الدمار و الهلاك يرتبطان دائما بالإعراض عن دين الله عز شأنــــه {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96 فمتى تحقق الإيمان و التقوى تحقق المن و الرخاء و لو مع فقد جميع الأسباب المادية {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}الطلاق3 {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69 و متى غاب الإيمان و التقوى تحقق الدمار و الهلاك و لـــو مع توفر الأسباب المادية الواقعـــــــــــية { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}الحـشر2 {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَــــــداً مــــِّن كـــــــُلِّ مـــــَكَـــــانٍ فـــَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمــَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112 .
فحاول يا بني أن تقتدي بهم في التزام كتاب الله تبارك وتعالى فهو حصن لك ما تحصنت به و نور لك ما جعلته أمامك ورأيت كل شئ في ضوئه {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّـــــــنِ الظُّلُمَاتِ إِلـــــــَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلـــــــــَى صـــــــِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المائدة15:16

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته